طوني فرنسيس

من وحدة الجيوش إلى وحدة الساحات

27 آذار 2024

02 : 00

قبل نظرية «وحدة الساحات» بزمنٍ طويل، ظهرت نظريات ومشاريع كثيرة عن «وحداتٍ» لم تتحقّق. الوحدة العربية مثلاً حرّكت أحلاماً وآمالاً كثيرة لكنها باءت بالفشل. حزب «البعث» الذي رفع شعار «أمة عربية خالدة ذات رسالة خالدة» قاد بلدين عربيين، سوريا والعراق، إلى صدام مرير، ثم إلى التفتّت والاضمحلال، وبدلاً من تحويل سوريا والعراق، وهو الحاكم بأمره فيهما، إلى نموذج يحتذى في دعوات اللقاء والوحدة الكبرى، جعلهما بلدين ممزقَين يفتقدان وحدة كيانهما الوطني والمجتمعي.

حركة القوميين العرب رفعت أيضاً شعار الوحدة الشاملة من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، واندمجت أفكارها مع تطلعات الرئيس جمال عبد الناصر. ثم فشلت في تحقيق أي وحدة، وانتصارها الوحيد في اليمن الجنوبي قاد إلى مجزرة بين أركانها، ثم إلى وصول اليمن إلى «سعادته» التي يعيشها اليوم. ربما يكون عبد الناصر أوّل من اكتشف استحالة تحقيق شعارات «البعث» و»القومجيين» الآخرين. وبوصفه عسكرياً وصل إلى السلطة في انقلاب، رأى البديل في «وحدة الجيوش» على أساس «أنّ وحدة الجيوش العربية هي وحدها القادرة على الوقوف في وجه إسرائيل».

لم يفكر عبد الناصر ولا غيره في كيفية تحقيق الوحدة أو الاتحاد بالوسائل الدستورية. لم يتعظوا من تجارب أوروبا التي بدأت تتقدم نحو الاتحاد باختيار شعوبها وبقرارٍ من حكوماتها المنتخبة ديمقراطياً. حتى أنه في نظرية «وحدة الجيوش» نسي أنّ وحدة جيوش حلف الأطلسي أو حتى «حلف وارسو» في ذلك الحين كانت نتيجة قرار تتخذه الحكومات لا قادة العسكر!

فشلت كل تلك المشاريع فشلاً ذريعاً، واستمرت الذريعة التي قادت إلى التفكير فيها وفي طرحها: مواجهة إسرائيل واسترداد فلسطين. الآن نشهد فصلاً آخر من فصول الوحدة. أبطاله ليسوا جيوشاً عربية، ولا أحزاباً قومية، وقيادته ليست في القاهرة أو دمشق، وإنّما في إيران. فمن العاصمة الإيرانية وبقرار من قادتها ولدت نظرية «وحدة الساحات». فحواها توحيد المنظمات الموالية للنظام الإيراني في المعركة ضد إسرائيل، كما في الستينات... في الامتحان الأول، في غزة، سقطت النظرية، وظهر أنّ عنوان «الوحدة» فضفاض ليُطلَق على كيانات تبقى مرجعيتها الأولى والأخيرة في خارج نطاق المصلحة العربية (والفلسطينية) العليا.

منذ ستة أشهر، تدور حرب الإبادة في القطاع الفلسطيني، ومعها تتآكل شعارات الساحات الموحدة، نتيجة عملية ضبط وانضباط يقودها الأخ الإيراني الأكبر الذي أصدر الطبعة الجديدة من كتاب «الوحدة لأجل فلسطين». لقد دفعت الشعوب والبلدان العربية اثماناً غالية نتيجة مغامرات الماضي. اليوم أيضاً تتكرر تجارب تعريض لبنان ومصر واليمن وغيرها إلى مخاطر غير محدودة، فيما لا تربح فلسطين شيئاً، بل تزيد في حجم خسائرها وآلامها.

MISS 3