يوسف مرتضى

لغم اللجوء بين الدمج والعودة

29 آذار 2024

02 : 00

لم تعد قضية النزوح السوري في لبنان تشكّل عبئاً اقتصادياً واجتماعياً فحسب، بل باتت تمثّل هاجساً جيوسياسياً على مستقبل دولة لبنان الديمغرافي وبالتالي السياسي، خاصة مع استمرار الأزمة السورية من دون حل أو تسوية سياسية داخلية، ومع استمرار تحلل مؤسسات الدولة في لبنان وسيادة الفراغ الدستوري والإداري والقضائي فيها، فضلاً عما قد تنتهي إليه حرب غزة وتداعياتها على مستقبل دول المنطقة برمتها ومنها لبنان، سياسياً، ديمغرافياً وجغرافياً. لذلك قد يبقى الوضع في سوريا معلقاً في حالة الستاتيكو القائمة منذ سنوات ومعها موضوع اللجوء في لبنان إلى أمد غير محدود في ظلّ تعطّل دور أعلى منظمة دولية، أي مجلس الأمن الدولي الذي يعجز عن تنفيذ ما يقرره. والعالم قد يبقى حابساً أنفاسه وبحالة فوضى ساخنة على ما يبدو، بانتظار ما ستؤول إليه نتيجة المواجهة بين روسيا والحلف الأطلسي بقيادة واشنطن.

في ظل هذه الظروف تحولت قضية النزوح السوري إلى مادة للتجاذب السياسي بين أفرقاء المنظومة الحاكمة، حيث أخذت مقاربتها عند البعض بعداً عنصرياً أحياناً، بهدف الاستقطاب العصبي بعيداً من المصلحة الوطنية وعن بعدها الإنساني، وهي قضية لا حول ولا قوة للنازح السوري فيها.

وبدل أن تتوحد الإرادات الوطنية اللبنانية للتصدي لهذه القضية بما يحفظ مصلحة لبنان الوطن والدولة في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتوترة، يذهب البعض في مقاربته لها، إلى المراهنة على تحولات في الإقليم تصب في خدمة مشروعه السياسي الفئوي وإن كان سيأتي على حساب دولة لبنان الـ10452 كلم² وعلى حساب شعبه.

هذا الملف المهم الحاضر في مختلف الخطابات السياسية، وحيث يترك تأثيره المباشر الناجم عن كثرة عدد النازحين وواقع انتشارهم، مضاعفات اقتصادية واجتماعية وأمنية على المواطن اللبناني في مختلف البيئات والمناطق، لفتني إليه في معرض الكتاب الأخير الذي نظّمته الحركة الثقافية في أنطلياس.

عنوان كتاب للدكتور كارلوس نفاع يقارب فيه مسألة اللجوء من زاوية وطنية وإنسانية. عنوان الكتاب «تعليم اللاجئين بين الدمج والعودة». وينطلق الدكتور نفّاع من أنّ اللجوء السوري في لبنان المستمر والمتواصل لثلاثة عشر عاماً والحبل على الجرار، والمترافق مع تزايد في عدد الولادات، وبعيداً من معضلة اللجوء السياسية، ليثير كيفية المساهمة الأممية وبالتحديد اللبنانية في تنشئة جيل يكبر وينمو في مجتمعنا من خلفية انسانية حقوقية واجتماعية تساهم في تحصين مجتمع اللاجئيين تربوياً وثقافياً ومهنياً.

يتطرق الكتاب إلى ما يتعلق بتعليم اللاجئين حقوقياً في الاتفاقات الدولية، حيث أورد ما نصت عيه المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في باريس عام 1948 على أنّ «الحق في التعليم الابتدائي مجاني وإلزامي».

ويضيف: تضمّنت الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والتي لم يوقع عليها لبنان، ومن ثم أقرت سنة 1951 في المادة 22 الحق في التعليم الابتدائي، والتي نصّت على منحهم الفرص نفسها كمواطني البلد المضيف. وتضمّن العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر سنة 1966 في مادته الـ13 إشارة صريحة إلى تكريس الحق في التعليم.

ويشدد الدكتور كارلوس في كتابه على أهمية توفير التعليم للأطفال اللاجئين والشباب منهم، باعتبار أنّ ذلك يمثّل أمراً حيوياً لضمان تحقيق الاستقرار والتنمية في المجتمعات المضيفة التي يعيشون فيها.

ويستعرض الكاتب في أحد فصول كتابه، كيفية تعامل وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية مع أزمة التعليم الطارئة للاجئين السوريين منذ بداية الأزمة السورية 2012-2011 وحتى العام الدراسي 2024-2023. إذ كانت تكتفي بإصدار تعاميم ومذكرات إدارية وقرارات وزارية تحدد آليات انتساب التلامذة السوريين النازحين إلى المدارس الرسمية والأوراق الثبوتية المطلوبة. ويلفت إلى أن تلك الإجراءات لم تتصف يوماً بصفة الاستباقية والتخطيط، بل اتسمت بردات الفعل في مواجهة المستجدات التربوية خلال مراحل تطور الأزمة السورية وزيادة تدفق اللاجئين إلى لبنان.

ومع تدفق المزيد من التلامذة اللاجئين في مراحل متقدمة من النزوح، وبعد أن كان قد تم تشكيل لجان مناطقية لمتابعتهم عبر المناطق التربوية التابعة للوزارة، والتي استعيض عنها لاحقاً بوحدة إدارة شؤون تعليم الأطفال اللاجئين السوريين التي أنشئت وفق مندرجات القرار رقم 8/م/2015 بتاريخ 17/1/2015 التي عهد اليها إدارة ومتابعة تنفيذ برنامج التعليم الشامل لجميع الأطفال في لبنان، والذي عرف باسم RACE. ثم طورت الأمم المتحدة بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية خطة الاستجابة الإقليمية RRP لتنظيم تعليم اللاجئين السوريين في كل من لبنان والأردن والعراق وتركيا وأدرجت لاحقاً معها مصر.

يستعرض الكاتب جملة من الأبحاث الميدانية المحيطة بتعليم اللاجئين بشكل عام في البلدان المضيفة، وأثر التعليم على التلامذة من منظار ثلاثة مناهج معيارية ثابتة: نهج إنساني، نهج تنموي، ونهج قائم على حقوق الإنسان.

يتضمن الكتاب معلومات قيمة عن القوانين الدولية التي تتعلق باللجوء وحقوق اللاجئين في المجالات المختلفة، وإحصاءات عن أعداد التلامذة اللاجئين السورين وتوزعهم في مختلف المحافظات اللبنانية. وفي خاتمة الكتاب يثير التساؤل حول ما هي أفضلية المناهج لتعليم اللاجئ، المنهج السوري أم المنهج الوطني اللبناني؟

الكتاب مادة بحثية مهمة أنصح بقراءته. متوفر على البريد الإلكتروني: carlos_ [email protected]

MISS 3