شادي هيلانة

"الحزب" و"التيار" والحكواتي...

30 تموز 2020

02 : 00

منذ اندلاع الإنتفاضة الكُبرى في الـ 2005، أو الإستقلال من الوجود السوري المُهيمن على كلّ مفاصل الحكم في دولة لُبنان العظيم، ما إن انتهينا من تلك الحقبة حتى هبطت علينا واحةٌ سماويةٌ من قُطبين كبيرين في كنيسة الشياح مار مخايل، وكان لقاء الدمج الشيعي ـ الماروني ليحلّ علينا كدستور جديد، يُرسّخ مفهوم الإستئثار والهيمنة بعملية تسلُّم وتسليم من حقبة الى حقبة مُشابهة.

سحب السيّد نصرالله على رأس قيادة "حزب الله" الغطاء المسيحي الماروني بالتحديد، وبدأت معركة طموحاته بعدما وقف العالم بوجهه من مُختلف الطوائف اللبنانية، وسار مسيرة الحياة والوجدان والعقيدة، فرسّخها بأذهان من طالبوا يوماً بإنهاء وجوده وتسليم سلاحه الى كنف الدولة العميقة. هؤلاء لو كانوا يدرون ماذا يفعلون لكنّا اليوم أصحاب قرارِ حُرّية وسيادة واستقلال لدولة حضارية مُتقدّمة، لا لسلطة أمر واقع بدعم مسيحي قوي يُعيدنا الى الوراء، بعيداً من ثقافتنا ومفهومنا لدولة الندّية والعيش المُشترك، وبعيداً من الكيدية والمُحاصصة وقرارات خارجية لأئِمةٍ تنتمي لبحر قزوين ونحن عمق المتوسّط. قرار الحرب والسلم وأخذ البلاد والشعب والوطن رهينة، تتحمّل مسؤوليته الدولة الغائبة التي لم أتذكّر وجودها يوماً إلّا في قصص جدّي المسائية.

وضعنا الحليفان في مواجهة لم يُحسب لها في كلّ المقاييس، هذا إن وضعنا في الحسبان حرب الـ 2006 والدمار الشامل والخراب والقتل وسفك الدماء، جرّاء قصف الطائرات التابعة للعدوّ الإسرائيلي الذي استمرّ لمدة 34 يوماً، وإنتهى بقرار وقف اطلاق النار والـ 1701.

اليوم اختلف المشهد، فبعد تعبيدِ الطريق لوصول العماد عون الى سُدّة الرئاسة بعد فراغ كرسي الرئاسة بعنوان (أنا او لا أحد)، دخلنا الى تسويةٍ بمُشاركة الجميع في حكومة الحريري الأُولى، فأنهت مباشرةً مفعول الإصلاح والتغيير، مُحاربة الفساد، المُحاصصة، والتعيينات الفئوية الطائفية، إلغاء الآخرين، محاسبة لصوص الدولة والمال العام، بناء دولة ذات سيادة، سحب السلاح خارج نطاق الدولة، إن كان سلاحاً مقاوماً أو ميليشيوياً، كلّهم اجتمعوا بالدستور العوني "الإبراء المستحيل".

توفّيت التسوية ولم تجد من يدفنها، كلّ تلك الأوهام تبعثرت، والإنجازات كانت ببصمات الأيادي الخفية السوداء بقفّازاتٍ بيضاء، تحقّقت بانهيار كيان الركيزة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، والإطاحة بجمهورية بشارة الخوري، ورفيق الحريري، وحلم بشير.

فشل ما بعده فشل، والأخطار تُستهان بمفهوم هؤلاء، تندلع حروب تُخرِّب المعمورة، المهم بقاؤنا والسلاح، وتهديد في كل حفل بأنّه ستُقطع اليد التي تمتدّ اليه من الداخل قبل الخارج، من الشريك ومن المختلف معهم سياسياً، فقط لا غير.

في كل مرّة، يُطلّ علينا الأمين العام لـ"حزب الله" عبر الشاشات، وخلفه المعاون السياسي في فرقة الإنقاذ المُهندس جبران باسيل، مُتناسيين الهمّ والغمّ الذي يطال المجتمع اللبناني، وعلى رأس اللائحة بيئة "حزب الله" من فقر وعوز وبطالة وجوع، ويلهوننا عن الخطر القائم بديباجة الصراع العربي – الإسرائيلي، والهجوم البربري الذي يُهدّد به العدوّ الصهيوني كل يوم.

يجرُّون البلاد الى حربٍ ليس بالإمكان مواجهتها لأنّها ستكون كارثية، القاصي والداني يعرف نتائجها، بمفهوم أنّ الحرب ضدّ اسرائيل يُمكنها أن تقلب الطاولة وتخلط الأوراق لإنقاذ طهران والمِحور القائم. ويعتقد الديبلوماسيون أيضاً أنّ مواجهة في الجبهة الشمالية (سوريا ولبنان) يُمكن أن تندلع قبل إنتخابات الرئاسة الأميركية، وكأنّ الساحة اللبنانية تحتمل بعد اليوم رسائل حروب الغير على أرضنا، بمُشاركة فرع مُسلّح لـ"الحرس الثوري الإيراني"، وبغطاء التيّار الشيعي الثالث، كما حصلت العادة.