جو حمورة

إنتصار المعارضة التركية... الشباب يهزمون أردوغان!

1 نيسان 2024

12 : 26

وحده رجب طيب أردوغان لم يتفاجأ بنتيجة الانتخابات البلدية التي أُقيمت بالأمس. يعرف الرئيس التركي ما ارتكبت يداه وما قامت به حكومته في الأشهر القليلة الماضية. هو يعرف تماماً تداعيات الأزمات المستمرة بين وزارة ماليّته والبنك المركزي حول أسعار الفائدة، وما تأثيرات هذا الخلاف المفتوح على الأسعار المحلية وقلة الاستثمارات الخارجية. هو يعرف أيضاً أن التضخم زاد في سنة واحدة بنسبة 60 في المئة، وأن الليرة التركية تهاوت إلى مستويات قياسية.



كل هذه الأزمات ذات البُعد الاقتصادي والمالي ساهمت في هزيمة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في الانتخابات البلدية، ومن دون حاجة المعارضة لتتوحّد أو التحالف في ما بينها. كل ذلك دفع أردوغان للاعتراف السريع بالهزيمة، مؤكداً "احترام قرار الأمة" في الانتخابات التي تشكل "نقطة تحوّل في بلادنا".


الهزيمة لم تقع في العاصمة أنقرة وفي إسطنبول وإزمير فقط، وهي المدن الثلاث الأكبر في البلاد، بل شملت أيضاً مدن أضنه ومرسين وبورصة وغيرها، حيث فاز حزب "الشعب الجمهوري" فيها كلّها، متقدّماً في مجموع الأصوات في طول البلاد وعرضها على الحزب الحاكم للمرّة الأولى منذ عام 2002.



وعلى هامش الهزيمة وأسبابها، يُمكن الركون إلى مجموعة عوامل ساهمت بشكل مباشر في خسارة أردوغان وحزبه في غالبية المحافظات والمدن، باستثناء تلك الأناضولية والريفية الواقعة في وسط تركيا التي فاز فيها، وإن بنسب متواضعة.



عدا الأزمة الاقتصادية التي تُعاني منها تركيا والتي ساهمت في تراجع التأييد للحزب الحاكم، يعود أحد الأسباب الأخرى إلى رفض الحكومة التركية أخيراً زيادة تعويضات العاملين في الدولة، وهو الأمر الذي أثر على إحجام كبار السن عن التصويت، وهم بغالبيّتهم من المؤيّدين المتشدّدين لحزب "العدالة والتنمية". يظهر ذلك جلياً في نسبة التصويت هذا العام، والتي لم تتخطَ الـ78 في المئة بالمقارنة مع 84 في المئة في الانتخابات البلدية الماضية.



عامل آخر أثر على هزيمة أردوغان، وهو يعود إلى هفوة سياسية وإعلامية ارتكبها بنفسه، عندما قال في الثامن من آذار إن "الانتخابات البلدية ستكون الأخيرة له"، وإنه سيترك السلطة عام 2028 "لأشقائي من بعدي". هذا الكلام ساهم بالتأثير على المؤيّدين لحزب أردوغان والمعارضين له في آن. فالأوائل رأوا في هذا التصريح نوعاً من التوريث السياسي الذي لا يحبّه الأتراك عادة، بينما رأى المعارضون لأردوغان في هذا التصريح ضعفاً واضحاً، فشحذوا الهِمم للمواجهة البلدية.



من ناحية أخرى، يُعاني حزب "العدالة والتنمية" من أزمة في التواصل مع الجيل التركي الشاب، حيث تتراجع أرقام التأييد له بين الشباب المنفتح والليبرالي أكثر، والذي لا يجد نفسه متماهياً مع الأفكار المحافِظة للحزب الحاكم. هذا الضمور، لا يشي بمستقبل جيّد لحزب "العدالة والتنمية"، حيث باتت غالبية مؤيّديه من متوسّطي العمر وكبار السن، فيما ينحو الشباب التركي نحو الأحزاب العلمانية، القومية أو الحركات الشبابية المعنية بالبيئة، حقوق المرأة والمثلية الجنسية.



على العموم، يبقى أن أداء أردوغان وحزبه ونتائج الانتخابات "ليست آخر الدنيا"، كما صرّح بنفسه بعد صدور النتائج غير الرسمية. فالرجل لا يزال يُسيطر على الحكومة والبرلمان والأجهزة الأمنية والقضائية ووسائل الإعلام. إلّا أن ما أفرزته صناديق الاقتراع يبقى مؤشّراً إلى تحدّيات قد تواجهه في المستقبل، خصوصاً مع استمرار تراجع شعبية حزبه وتزايد الانتقادات الموجّهة إليه من قبل الشباب والفئات الأخرى في المجتمع التركي. ومن المهمّ أن يستجيب أردوغان وحزبه لهذه التحدّيات بشكل فعّال، سواء من خلال تعديل سياساته أو عبر تقديم برامج وخطط جديدة تُلبّي تطلّعات الشعب التركي، خصوصاً في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.



على الجانب الآخر، فإنّ نتائج الانتخابات تعكس أيضاً تغيّراً في المشهد السياسي التركي، حيث يبدو أن هناك تحوّلاً تدريجيّاً نحو تفضيل الشباب للأحزاب ذات الفِكر الليبرالي والعلماني، ما قد يؤثر على توجّهات تركيا السياسية في المستقبل ويُعزّز دور الديموقراطية في البلاد.

MISS 3