خلال عشرة أيام يفترض أن يدعو وزير الداخلية الهيئات الناخبة إلى إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية المؤجلة والتي يجب اتمامها قبل نهاية أيار المقبل. ومع أنّ هذه الانتخابات هي من بديهيات الأمور، إلا أنها، ومبدأ الانتخاب عموماً، صارا في لبنان استثناءً. القاعدة هي في إلغاء أي مظهر من مظاهر لبنان المتحد، والذي كان يحق له الافتخار بأنه أول بقعة في المشرق أجرت انتخابات، ولو أوليّة، لاختيار مجلس إدارة متصرفية الجبل.
التصميم على إلغاء أساسيات الاختيار الشعبي في المواعيد الدستورية لم يظهر فقط في مناسبة الانتخابات البلدية والاختيارية. قبلها، مورس في الانتخابات النيابية عندما مدد سيّد نفسه لنفسه، ثم ارتكب السيد نفسه العصيان ذاته عندما لم يذهب إلى انتخاب رئيس للجمهورية. واليوم تتكرر تجربة الفراغ الرئاسي للمرة الثانية، بانتظار ما إذا كان الفراغ الحالي سيسجل رقماً قياسياً يتفوق على رقم السنتين ونصف السنة الذي تم تسجيله في جولة تعيين الرئيس السابق.رالاصرار على الفراغ في كل المواقع يُواكَب مع تعميق للانقسامات والنزاعات الطائفية والمذهبية. وهذا أيضاً يحصل عن سابق تصور وتصميم وجرى تنظيمه في قانون الانتخابات الذي يستلهم روحية مشروع قانون «اللقاء الارثوذكسي» المغفور له. وفي ظروف الانهيار المؤسساتي يصبح الانقسام والحسابات المذهبية طاغياً، وتغدو انتخابات بلدية في العاصمة والمدن الكبرى استفتاء على التمزق والهيمنة الفئوية.
تحتاج معالجة ذلك وعياً وطنياً وتحملاً للمسؤولية من رجال دولة لم يعودوا موجودين. كان رفيق الحريري يضمن المناصفة في بلدية بيروت فمن سيضمنها اليوم اذا لم تتوفر شبكة حماية من الانقسام المذهبي والعنصري؟
على الأرجح لن تجري سلطة التصريف أيّ انتخابات ولن تنفعها حجج الوضع في الجنوب، ولا ذرائع المخاوف من انقسام عمودي في بيروت ومدن أخرى. كان ثلث لبنان تحتله إسرائيل في التسعينات، والباقي تديره سوريا، وتم إجراء انتخابات نيابية مرتين في كل لبنان، وواحدة بلدية واختيارية من دون الجنوب بانتظار الانسحاب الاسرائيلي عام 2000.
الآن أيضاً، ببعض الإصرار والحرص والحد الأدنى من الالتزام بالأخلاق السياسية والوطنية، يمكن الذهاب إلى انتخابات بلدية واختيارية حيوية جداً، للضرورات المبدئية ولحاجة المجتمعات المحلية الملحة إليها.