مهند صبري

كيف يمكن تسهيل وصول المساعدات إلى غزة؟

9 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

شاحنات تحمل مساعدات إنسانية تدخل غزة عبر معبر رفح في اليوم الثالث من الهدنة بين اسرائيل وحماس - 26 تشرين الثاني 2023

فشل العالم في وقف تدهور الظروف الإنسانية التي يعيشها المدنيون في قطاع غزة منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في تشرين الأول الماضي. لا يمكن تخفيف حدّة الأزمة أو التخلّص من سببها الأصلي عبر إسقاط المساعدات من الجوّ أو تنفيذ الخطة الأميركية التي تقضي ببناء ميناء موَقّت قبالة شمال غزة لتسليم المساعدات إلى القطاع بالتنسيق مع إسرائيل. تُعتبر هذه المقاربات كلّها غير ممكنة من الناحية المالية، ولا يمكن أن تدوم طويلاً في ظلّ استمرار الصراع المسلّح وإصرار إسرائيل على منع دخول المساعدات إلى القطاع عبر الحدود البرية.



لا يمكن تخفيف حدّة الأزمة الإنسانية في غزة إلّا عبر اللجوء إلى آلية طوارئ تلغي سيطرة إسرائيل التامة على عمليات التفتيش الأمني ودخول المساعدات عبر الحدود البرية إلى الأراضي المحاصرة. تقتصر هذه الخطة المقترحة على فترة الحرب والأزمة الإنسانية المترتبة عنها، ويُفترض أن تشمل فرقة عمل أمنية دولية تُعطى صلاحيات محدودة لتنفيذ عمليات تفتيش مستقلة والإشراف على نقل المساعدات عبر شبه جزيرة سيناء في مصر.

لا تُعتبر آلية الطوارئ المقترحة بعيدة المنال، إذ يمكن تطبيقها فوراً إذا أبدت القوى العالمية استعدادها لاستعمال كلّ الوسائل اللازمة لإنقاذ الفلسطينيين في غزة من المجاعة، وتدهور النظام الصحي، ومستويات مريعة من الحرمان. قد تسمح هذه المقاربة بتعزيز الجهود الرامية إلى منع توسّع التهديدات التي تنذر باندلاع صراع إقليمي، وإحراز تقدّم في المفاوضات وصولاً إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار. حان الوقت لبلوغ تلك المرحلة.

خلال العقد الماضي، حوّل الجيش وقوات الأمن في مصر جزءاً من شمال سيناء إلى أكبر منطقة عسكرية في البلد. إنها منطقة آمنة لدرجة أن تستقبل رؤساء حكومات، وكبار المسؤولين من الأمم المتحدة، وعدداً من النواب ومسؤولين آخرين، منذ بدء الحرب في غزة. في مدينة العريش، رَسَت سفن تابعة للبحرية الفرنسية والإيطالية طوال أسابيع لتأمين مساعدات طبية للفلسطينيين، فيما كانت سفن أخرى تُفرّغ شحنات المساعدات.

تستطيع مصر أن تُحدّد موقعاً لاستضافة عمليات التفتيش الأمني وفرقة العمل المشتركة والمُكلّفة بتنفيذها في أسرع وقت. سبق وأعلنت القاهرة أصلاً أنها بصدد بناء معقل لوجستي لاستضافة جهود نقل المساعدات بالقرب من معبر رفح.

منذ بدء الحرب، قام كبار المسؤولين الأميركيين، من أمثال وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية بيل بيرنز، بزيارات متكررة للتواصل مع حكومات إقليمية على صلة بجهود احتواء الصراع. بعد هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، عيّن الرئيس الأميركي جو بايدن، ديفيد ساترفيلد كمبعوث خاص للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط. يُعتبر ساترفيلد مطّلعاً على وضع المنطقة المتقلّب، فهو كان الأمين العام لـ»القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين» في شبه جزيرة سيناء بين العامين 2009 و2017.

تنشط قطر وفرنسا بقدر مصر والولايات المتحدة لفتح كلّ قنوات التواصل مع الأطراف المعنية. تستضيف الدوحة قادة «حماس» خارج غزة، وأدّت الجهود القطرية إلى إطلاق سراح عدد من المدنيين الإسرائيليين المحتجزين كرهائن لدى «حماس» بعد هجوم 7 تشرين الأول. كذلك، حرصت قطر وفرنسا على إبرام اتفاق يسمح بتسليم الأدوية لإنقاذ حياة المرضى في مستشفيات غزة ووسط الرهائن المحتجزين لدى «حماس». أقدمت قطر أيضاً على بناء وتشغيل مستشفى ميداني داخل القطاع، وأرسلت مساعدات إلى شمال سيناء منذ بداية الحرب.

أخيراً، تستطيع الأمم المتحدة أن تتحرك على نطاق واسع عبر إطلاق عمليات إنسانية ميدانية في غزة. لا تكفّ الهيئات التابعة لها عن التواصل والتنسيق مع جميع الأطراف المعنية، أبرزها الأمانة العامة للأمم المتحدة، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ورغم مستوى الدمار في غزة اليوم، تُشغّل الأمم المتحدة شبكة واسعة من الموظفين والمنشآت المعنية بتوزيع المساعدات الإنسانية.

بفضل قوة تقتصر على مئة موظف أمن مزوّد بالمعدات المناسبة وموقع آمن يشرف عليه الجيش المصري والسلطات المحلية على الحدود بين سيناء وغزة، تستطيع فرقة العمل الأمنية المشتركة نظرياً أن تفتّش حتى خمسين شاحنة في الساعة، ما يعني أن يمرّ الحد الأدنى المطلوب من الشاحنات (500) يومياً خلال عشر ساعات. عجزت طائرات الشحن عن إسقاط كمية أقل من تلك المساعدات فوق غزة يومياً خلال فترة مطوّلة. وبحسب تقديرات الولايات المتحدة، تتطلّب خطتها المرتبطة بالميناء حوالى شهرَين، وألف جندي، وملايين الدولارات، لتأمين مليونَي وجبة يومياً.

لكن يقتصر تفويض آلية الطوارئ على تسليم المساعدات في أنحاء معبر رفح، ولن يتجاوز صلاحيات السلطات والمنظمات المحلية أو يصبح بديلاً عنها. في إطار هذا التفويض المحدود، لن تطرح آلية المساعدات وفرقة العمل التابعة لها أي تهديد على الأطراف المتناحرة أو تقدّم منافع سياسية أو عسكرية إلى طرف معيّن، بل إنها ستنشط بكل موضوعية لحماية وإنقاذ المدنيين، معظمهم من النساء والأولاد.

كذلك، لن تسمح أي آلية بديلة لتسليم المساعدات الإنسانية بإنقاذ حياة المدنيين فحسب، بل إنها قد تطلق مساراً يُمهّد لإقرار حل دائم يمنع نشوء أزمات أخرى. في الوقت نفسه، قد يسهم تسليم الحد الأدنى من المساعدات المطلوبة إلى غزة في تلبية حاجات مليون ونصف شخص يختبئون في رفح خلال أيام، وقد يسمح بدعم نظام الرعاية الصحية المتدهور في غزة، ويُخفف مخاطر الأمراض المُعدِية والمزمنة التي تنجم عن سوء التغذية ونقص الأدوية.

عند تطبيق آلية طوارئ تضمن تسليم المساعدات من دون أي تلاعب، تستطيع الدول المانحة والمنظمات الناشطة أن تكثّف جهودها لإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة وتلبية مستويات غير مسبوقة من الحاجات. قد تسمح هذه الضمانات أيضاً باحتواء مشاعر الهلع المنتشرة في أنحاء غزة، فتنشأ بيئة أكثر أماناً للمنظمات التي تتولى نقل وتوزيع المساعدات في القطاع. كذلك، قد يُمهّد استمرار تدفق المساعدات مع مرور الوقت لاختفاء طوابير المدنيين اليائسين ويُقلّص عدد المستفيدين من الحرب والعصابات المنظّمة التي تسعى إلى التحكّم بالشحنات.

من خلال استضافة هذه الجهود، ستتجنّب مصر كابوساً بات يلوح في الأفق، فقد يبدأ اللاجئون بالتّدفّق فجأةً عبر حدودها بحثاً عن الأمان والطعام، ما قد يوجّه ضربة موجعة لاتفاقات كامب ديفيد التي تحافظ على السلام بين مصر وإسرائيل. على المستوى المحلي، قد تسمح جهود المساعدات المشتركة بإخماد الغضب الشعبي تجاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسبب امتناعه عن فتح معبر رفح وتسليم المساعدات إلى غزة بشكلٍ أحادي الجانب.

على صعيد آخر، قد تعطي أي آلية بديلة لتسليم المساعدات آثاراً كبرى على الصراع الإقليمي المتوسّع في الشرق الأوسط. فيما تتخبّط القوى الدولية والوسطاء لاحتواء الأعمال العدائية بين «حزب الله» في لبنان وإسرائيل وتهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، قد تسمح أي مقاربة عملية لحل الأزمة الإنسانية في غزة بتطوير المفاوضات المحتملة. أشار «حزب الله» والحوثيون مراراً إلى الحصار المفروض على سكان غزة في بياناتهم الرسمية. قد يحمل الطرفان حسابات أخرى وراء هجومهما ضد إسرائيل ومصالحها، لكنّ احتواء الأزمة الإنسانية في غزة قد يُمهّد للتوصل إلى تسوية مفيدة على الجبهتَين معاً.

من المتوقع أن يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته أي جهود من هذا النوع. لكن يملك المجتمع الدولي عموماً، وإدارة جو بايدن خصوصاً، النفوذ الكافي لمواجهة إسرائيل وفرض حلول كفيلة بإنقاذ حياة الناس. في هذه الحالة، سيُعتبر أي اعتراض إسرائيلي على الآلية المقترحة، عبر محاولة منع عمليات التفتيش أو استهداف المساعدات بعد دخولها إلى غزة، مُوجّهاً ضد اتحاد واسع من القوى الدولية والإقليمية.

كذلك، قد ينتهك أي اعتراض مماثل التدابير الموَقتة التي فرضتها محكمة العدل الدولية، فهي تطالب إسرائيل باتخاذ «إجراءات فورية وفاعلة لتأمين الخدمات الأساسية، والمساعدات الإنسانية، والتعامل مع ظروف الحياة المريعة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة».

من مصلحة الإدارة الأميركية أن تستعمل نفوذها لثني إسرائيل عن إعاقة هذا الترتيب الاستثنائي، بما أنها الجهة التي تمنحها أكبر كمية من الأسلحة والمساعدات، ونظراً إلى التهديدات المحتملة التي تطرحها سياسات بايدن المرتبطة بالحرب في غزة على حظوظه الانتخابية في تشرين الثاني المقبل. قد يؤدي الامتناع عن دعم هذه الجهود أو المشاركة فيها إلى تعميق الفجوة المتوسّعة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، فينشأ فراغ عميق ستسارع قوى عالمية أخرى إلى مَلْئِه.

بعد ستة أشهر على بدء الحرب بين إسرائيل و»حماس»، من السذاجة أن يتوقع أحد إحراز أي تقدّم من دون تدخّل فوري ومشترك من القوى الإقليمية والدولية لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة. لا يمكن تحقيق أي اختراق حقيقي في محادثات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب قبل حصول ذلك التدخّل.

MISS 3