د. ميشال الشماعي

بين مار مخايل ومِعراب

4 آب 2020

01 : 30

المعروف عن "حزب الله" سعيه الدائم إلى فرض أمر واقع بقوّة سلاحه غير الشرعي، لكن بعد تعالي الأصوات المحلية على أثر استصدار القرار الأممي 1559، وارتفاع الأصوات الدولية التي بدأت منذ 2 أيلول 2004، تاريخ صدور هذا القرار، بالمطالبة في تنفيذه، لا سيّما ما يتعلّق بنزع السلاح وحلّ الميليشيات كلّها، وجد نفسه أمام واقع جديد لن يستطيع التفلّت منه إلا بالدرع اللبنانية الكيانية.

لذلك، توجّه "حزب الله" إلى الفريق المسيحي الذي حقّق نصراً مسيحياً في انتخابات 2005، أي فريق "التيار الوطني الحرّ"، مُتناسياً الحملة التي قادها رئيسه آنذاك لتسويق نفسه عرّاب القرار 1559. أمام هذه الحاجة الوجودية، حقّق "الحزب" ضربة سياسية مزدوجة، حيث التفّ على القرار الأممي، واستوعب الفريق المسيحي الذي اقتحم الساحة السياسية بعد عودته من المنفى، مُستغلّاً الظروف التي انتهزها هذا الفريق بدوره. فنجح بتأمين الغطاء السياسي المسيحي لسلاحه غير الشرعي بطريقة مُباشرة، ليؤمّن من تحت الطاولة السياسية، موافقة مُباركة لمشروعه السياسي الذي يبدأ بتغيير الدستور اللبناني لصالحه.

مُقابل ذلك، ما حصده الحزب من هذا "التيار" انتهى بفِعل المُمارسات التي قام بها هذا الأخير عند دخوله إلى مؤسسات الدولة، حتى وصل معه إلى مرحلة لم يعد باستطاعته التغاضي عن مُمارساته فيها. لذلك كلّه، لو صرّح بقيادييه جميعهم، عن رضاه على اتفاق مار مخايل، بات اشمئزازه من هذا الواقع واضحاً كالشمس. فلا يستطيع "الحزب" أن يسير في مكافحة الفساد وحليفه المسيحي بات مُثقلاً بهذه التُهم، من 42 ملياراً في الكهرباء وبواخرها واستملاكاتها السِلعاتية الخيالية، إلى السدود المثقوبة. ولم يعد "التيار" قادراً على تغطية "الحزب" في مشروعه الإقليمي، بعدما بات البلد بأكمله مُحاصراً بسببه.

وما البحث عن انتصارات في السلطة السياسية التي يغطّيانها إلا محاولة من كليهما للهروب إلى الأمام، حتّى لمسنا ذلك لمس اليد، بعدما رمى رئيس "التيار" الوزير باسيل بسِهامه المباشرة على حوار مزعوم بين معراب والضاحية، وتابع بادّعاءاته حتى أوصلها إلى طهران. هذه المحاولات كلّها ساقطة ولا تُجدي أيّ نفع. وما يحاول ضربه الوزير باسيل يتجلّى في ما يطمح إليه "الحزب" بعد مار مخايل. وهنا مصدر الخوف الحقيقي لا سيّما بعدما تأكّد من نتائج الانتخابات النيابيّة الأخيرة، حيث صار تكتّل "الجمهوريّة القويّة" 15 نائباً، ناهيك عن طريقة عمل هذا الفريق في الوزارات، ما جعله يحظى بالإحترامين العربي والدولي، ما قد يؤمّن لـ"حزب الله" مستقبلاً ما أفقده إيّاه "التيّار".

والمعروف عن حزب "القوات اللبنانية" الثبات في المبادئ والقيم وعدم المساومة، لئن استخدم "التيار" في مراحل سابقة بعض التعهّدات السياسية التي حبكها مع "القوات" على قاعدة الـ Gentelmen’s agreement لتأمين مصالح محازبيه من دون التنازل عن مبادئه. فـ"القوات" لم يكن يوماً ضدّ سلاح "الحزب" ليعود ويوقّع معه اتفاقاً، ولم يسعَ لإزالة السلاح غير الشرعي ليعود ويتّفق معه فيصبح ضرورة وطنية. والأمثلة تطول عن التبدّلات المصلحية في المواقف السياسية.

من هنا، مَن لم يدرك بعد أنّ "الحزب" الذي اختار رئيسه السجن الطوعي على الهروب، والذي قدّم أكثر من خمسة عشر ألف شهيد على مذبح الوطن ليُحافظ على الكيانية اللبنانية لا يساوم، فهو غير مُدرك بالتاريخ. لذلك، بين مار مخايل ومعراب فارق زمني كياني لا يستطيع أن يجمعهما إلا بإزالة هذا الفارق. لا بل الأكثر من ذلك، إنّه حاجز كياني لدى بعضهم، مع العلم أنّ "القوات" في العام 2016 حاولت إزالة هذا الفارق باتفاق معراب، لكنّ الليفنتينية المصلحية التي ميّزت ممارسات "التيار" السياسية منعته من المضي قدماً به.

إلا أنّ الشمس وإن حَجَبتها الغيوم حيناً فهي لا تستطيع حجبها دائماً. فالحقيقة الساطعة هي حقيقة كيانية وجودية لا يُمكن إنكارها اليوم بعد انكشاف المستور اللبناني، لا سيّما في الساحة المسيحية. وأكثر من ذلك، لن يستطيع "حزب الله" التحرّر من الضغوطات الدولية التي يواجهها لأنّه أُفقِد غطاءه المسيحي، ولو لم يعلن ذلك بعد. فضلاً عن سقوطه عربياً بعدما كان "مهاتما العرب" في الـ 2006، ليُنصّب نفسه مُنقذاً من الضلال بعد السابع من أياره المجيد في 2008 للبنان وللعالم، ولن يُجدي "الحزب" أيّ غطاء آخر حتّى لو لمّح حليفه إلى ما يتمنّاه. فهل يتخطّى "حزب الله" هذا الحاجز الكياني، مُتجاوِزاً أحلافه التكتية التي أوقعته في محظورات الفساد، ليعود إلى الكيانية اللبنانية؟


MISS 3