رفيق خوري

الجيش واللادولة و"الانقلاب الميليشيوي"

5 آب 2020

02 : 00

العيد الماسي للجيش كان فرصة للتأمل في الفارق بين حال الجيش وحال لبنان. أهل السلطة في عزلة عربية ودولية يهربون من فكّها على حساب مصالحهم الضيقة ومصالح ولي أمرهم الواسعة، ويهاجمون من يطالبهم بالاصلاحات لفكّها وانقاذ لبنان. والجيش محل تقدير ورهانات في الداخل والخارج، فليس في العالم الديموقراطي بلد يتولى جيشه كل المهام التي يقوم بها الجيش اللبناني. مهمة الجيوش هناك الدفاع عن الوطن ارضاً وشعباً ومؤسسات، ومهام الجيش هنا الانتشار على الحدود وفي شوارع المدن وفي القرى الى جانب حماية الدستور والحريات، وسط اللعبة الاقليمية التي فرضت "خصخصة" الدفاع لمصلحة المقاومة الاسلامية المرتبطة بولاية الفقيه. وليس في العالم السلطوي سوى جيوش للنظام تخدم السلطة. وهذا ما ليس في عقيدة الجيش اللبناني مع اننا نقترب من السلطوية.

من الاقوال الشائعة عن الباكستان واسرائيل ان الصورة هي: "جيش له دولة". ومن الثوابت في البلدان الديموقراطية هي "دولة لها جيش"، وفي البلدان السلطوية نظام له جيش واحياناً جيش له نظام. أما في لبنان، إنّنا في حال: جيش لوطن بلا دولة. وحين قال وزير الخارجية المستقيل ناصيف حتي ان لبنان ينزلق نحو التحول الى "دولة فاشلة" فانه كان يستخدم لغة ديبلوماسية ملطفة. اذ يجب ان تكون لدينا دولة أولاً كي تصبح دولة فاشلة. ونحن اسرى سلطة مصرة على الفشل، وهي بدورها رهينة قوة لها "اجندة" تتجاوز لبنان المحكوم بان يبقى دون مرتبة الدولة وحتى دون مرتبة السلطة الفاعلة. وليس نوع الرد وشكله على الاستقالة واسبابها سوى تأكيد استمرار النهج نفسه.

ذلك ان لبنان بقي، لأسباب بعضها يتعلق بتركيبته الاجتماعية الطائفية، خارج موجة الانقلابات العسكرية التي سادت المنطقة منذ الاربعينات في القرن العشرين. لكننا اليوم في ظل" انقلاب آخر" قامت به ميليشيا من دون "بلاغ رقم واحد" على عادة الانقلابات. وهو بدأ بالتدرج منذ انسحاب القوات العسكرية السورية عام 2005 وتولي "حزب الله" دور الوصي المتحكم بالمؤسسات.

وليس امراً قليل الدلالات ان يطالب المجتمع الدولي ونصف الشعب اللبناني بحكومة لا يتمثل فيها "حزب الله" كي يحظى لبنان المفلس بالمساعدات، فيرفض "الحزب" مع أنّ السلطة كلها في يده عملياً. فلا بالصدفة أو بقوة الأشياء حدث "الانقلاب الميليشيوي"، ولا الانقلاب سوى بداية مسار.

لكن اللعبة صارت اكبر من اللاعبين. ولا احد يعرف، وسط الاحلام والخطط والحقائق، كيف ينتهي المشهد في لبنان والمنطقة.


MISS 3