المطران عودة: النازحون باتوا يشكّلون خطراً أمنياً واقتصادياً وديموغرافياً

رأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خدمة قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.



وألقى عظة بعد الانجيل المقدس قال فيها: "بلدُنا يُحْتَضَرُ وإنسانُه يُعاني ولم يجدْ زُعَماؤه والمسؤولون أنّ الوقتَ قد حانَ لإيجادِ العِلاجِ وإعادةِ هَيْكَلَةِ الدولةِ بَدْءاً مِنَ الرئاسة، مِنْ أجلِ تَسييرِ البَلدِ وأمورِ الناسِ الذين لم يَكْفِهم ما يُقاسونَه مِنْ ضيقِ العَيْشِ والفَقْرِ والذُلِّ والحاجةِ، حتى بَرَزَ خَطَرٌ آخرُ بِسَبَبِ تَفَلُّتِ الأمنِ نتيجةَ عَدَمِ المُحاسَبَةِ والإفلاتِ مِنَ العِقاب، وإهمالِ ضَبطِ الحُدودِ وتَدَفُّقِ أعدادٍ كبيرةٍ من غير اللبنانيين، وُجودُ مُعظمِهم غيرُ قانونيّ، وبَعْضُهم خارِجون على القانون كما تُؤكِّدُ الإحصاءات، ويَرتَكبون الجَرائمَ في حَقِّ اللبنانيين".



واضاف: "طبعاً نحن نحترمُ إنسانيتَهم ونُقِرُّ بِحَقِّهم في حياةٍ آمِنَةٍ كريمةٍ إنما في بلادِهم وليس على حسابِ حياةِ اللبنانيين وكرامَتِهم. لذلك على الحُكّامِ أنْ يُطَبِّقوا القوانين ويَعْمَلوا جاهِدين على إعادَتِهم إلى بِلادِهم".



وهنا النص الكامل لعظة المطران عودة: "أَحِبَّائي، سَمِعْنا اليَومَ مَقطَعًا مِنْ إنجيلِ مرقس يَروي حادِثَةَ إِخراجِ الرَّبِّ يَسوعَ شَيْطانًا مِنْ أَحَدِ أَبْناءِ اليَهود، بَعدَ فَشَلِ التَّلاميذِ في إِتمامِ ذَلِك.



الإِصحاحُ التّاسِعُ مِنْ إِنجيلِ مَرْقُسَ يَبْدأُ بِحادِثَةٍ قَدْ تُعْتَبَرُ الأَهَمَّ في كَشْفِ حَقِيقَةِ المَسيحِ ذاتَهُ أَمامَ تَلاميذِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وقِيامَتِهِ، أَعْني حادِثَةَ التَّجَلِّي. يُخْبِرُنا الكِتابُ أَنَّ الرَّبَّ أَخَذَ ثَلاثَةً مِنْ تَلامِيذِهِ: بُطْرُسَ ويَعْقوبَ ويوحَنَّا، «وصَعِدَ بِهِم إلى جَبَلٍ عالٍ مُنْفَرِدينَ وَحْدَهُم، وتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدّامَهُمْ وصارَتْ ثِيابُهُ تَلْمَعُ بَيْضاءَ جِدًّا كَالثَّلج... وظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيّا مَعَ مُوسَى، وكانا يَتَكَلَّمانِ مَعَ يَسوع... وجاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّماءِ قائِلًا: هَذا هُوَ ابْني الحَبيبُ، لَهُ اسْمَعوا» (9: 27). تَجَلَّى الرَّبُّ أَمامَ تَلامِيذِهِ، أَيْ كَشَفَ لَهُمْ حَقِيقَةَ هُوِيَّتِهِ بِوُجودِ موسى وإِيلِيّا، فَعايَنوا مَجْدَهُ وسَمِعوا اعْتِرافَ الآبِ بِابْنِهِ.



مُباشَرَةً بَعْدَ هَذِهِ الحادِثَةِ يُخْبِرُنا مَرْقُسُ عَنْ رَجُلٍ طَلَبَ إلى الرَّبِّ أَنْ يُساعِدَ ابْنَهُ قائلاً له: «يا مُعَلِّم، قَدْ أتيتُك بابني به روحٌ أبكم». فيما كانَ الرَّبُّ على الجَبَل، قَدَّمَ هذا الأَبُ ابْنَهُ لِلتَّلاميذِ، لأَنَّهُ كانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ كانوا يَصْنَعونَ المُعْجِزاتِ بِاسْمِ مُعَلِّمِهِم. قالَ: «سألتُ تلاميذَك أن يُخرِجوه فلم يَقدِروا. حاوَلَ التَّلاميذُ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْدِروا أَنْ يَطْرُدوا الرُّوحَ مِنَ الإبْنِ، فَلَمْ يَسْتَسْلِمْ الأَبُ، بَلْ انْتَظَرَ عَوْدَةَ الرَّبِّ لِيَطْلُبَ إِلَيْهِ شِفاءَ ابْنِهِ، وفي هَذا دَلِيلٌ على عَظَمَةِ إِيمانِ الأَبِ بِالرَّبّ. فَشِلَ التَّلامِيذُ مَعَ أَنَّهُم كانوا قَدْ صَنَعوا عِدَّةَ مُعْجِزاتٍ في غِيابِ الرَّبّ، كما نَقْرَأُ: «ودَعا الإِثْنَيْ عَشَرَ ... وأَعْطاهُمْ سُلْطانًا على الأَرْواحِ النَجِسَة ... فَخَرَجوا وصاروا يَكرِزون ... وأخْرَجوا شياطينَ كثيرةً ودَهَنوا بزيتٍ مَرضى كثيرين فَشَفوهم» (مر 6: 7 12).



جاءَ جَوابُ الرَّبِّ على فَشَلِ تَلامِيذِهِ بِشَكْلِ عِتابٍ إِذْ قالَ لَهُم: «أَيُّها الجيلُ غَيْرُ المُؤْمِنِ، إلى مَتَى أَكونُ عِندَكم؟ حَتَّى مَتَى أَحْتَمِلُكُم؟» (9: 19). هَذا لَيْسَ عِتابَ الرَّبِّ الأَوَّلَ لِتَلامِيذِهِ، الأَمرُ الَّذي يَجْعَلُ عَلاقَةَ الرَّبِّ بِهم مُماثِلَةً لِعَلاقَتِنا بِهِ. فَنَحْنُ، وإِنْ كُنّا نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ المَسيحُ ابْنُ الله، إِلَّا أَنَّ طَبِيعَتَنا البَشَرِيَّةَ تَدْفَعُنا أحياناً إلى الشَّكِّ بِهِ، وأَحْيانًا نُسْلِمُهُ إلى الصَّلْبِ مُجَدَّدًا، مِثْلَ يَهُوذا الَّذي كانَ تِلْمِيذًا. طَبْعًا، لَم تَكُنْ هَذِهِ المَرَّةَ الأَخِيرَةَ الَّتي يَشُكُّ فِيها التَّلامِيذُ بِحَقِيقَةِ يسوع، إِذْ عِنْدَما نُتابِعُ قِراءَةَ إِنْجيلِ مَرْقُس نَجِدُ مَواقِفَ أُخْرَى تَدُلُّ على المَطَبَّاتِ الَّتي مَرَّ بِها التَّلاميذُ في عَلاقَتِهِمْ بِالرَّبّ، إِلَّا أَنَّهُ كانَ دائِمًا يَحْتَمِلُهُم ويُعِيدُ تَعْلِيمَهُم وتَثْبِيتَهُم. نَحْنُ أيضًا في عَلاقَةِ سُقوطٍ وقِيامٍ، نَشُكُّ ونُخْطِئُ ثُمَّ نَتوبُ ونَرجِع. المُهِمُّ أَنْ نَقومَ بَعْدَ كُلِّ سَقْطَةٍ.



طَلَبَ الرَّبُّ مِنَ الوالِدِ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ ابْنَهُ المَمْسوس، عِنْدَئذٍ «صَرَعَهُ الرّوحُ فَوَقَعَ على الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ ويُزْبِد». الرّوحُ رَأَى الرَّبَّ شَخْصِيًّا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَحَكَّمَ بِالشَّابِّ كَما كانَ يَفْعَلُ أَمامَ التَّلاميذ. هُنا قالَ الأَبُ للرَّبِّ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنا وأَغِثْنا». لَقَد انْتَظَرَ الوالِدُ عَوْدَةَ الرَّبِّ مِنَ الجَبَلِ لِيَشْفِي ابْنَهُ لأَنَّهُ كانَ مُؤْمِنًا بِقُدْرَتِهِ على ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَعودُ لِيُشَكِّكَ بِسَبَبِ ضُعْفِ التَّلاميذِ. كَثِيرًا ما نَكونُ، نحن المُؤْمِنينَ الحامِلينَ اسْمَ الرَّبِّ، سَبَبًا في تَشْكيكِ غَيْرِ المُؤْمِنينَ بِحَقِيقَةِ رَبِّنا وإِلَهِنا، كَالتَّلاميذِ تَمامًا. بِسَبَبِ سُوءِ سُلوكِنا نُشَوِّهُ صُورَةَ مَسيحِنا، فَنُعَثِّرُ النَّاسَ مِنْ جِهَةِ حَقيقِيَّةِ أُلوهَةِ مَن نَعْبُد، مُتَناسِينَ قَوْلَ الرَّبّ: «وَيْلٌ لِلَّذي تَأْتي العَثَرَاتُ بِواسِطَتِه» (لو 17: 1).



لَمْ يُوَبِّخْ الرَّبُّ الرَّجُلَ على شَكِّهِ كما فَعَلَ مَعَ تَلاميذِه، بَلْ قالَ لَهُ: «إِنْ استَطعْتَ أَنْ تُؤْمِنَ فَكُلُّ شَيءٍ مُسْتَطاعٌ لِلمُؤمِن». أَجابَ الوالِدُ: «إني أؤمِنُ يا سيدُ فأغِثْ عَدَمَ إِيماني». هَذا الإعْتِرافُ كانَ سَبَبَ استِجابَةِ الربِّ طَلَبَه وشِفاءِ ابْنِه.



تَضَعُ الكَنِيسَةُ أَمامَنا هذا المَثَلَ لتُعَلِّمَنا أنَّ إِيمانَنا، مَهْما ضَعُفَ، ومَهْما شَكَّكْنا بالرَّبِّ وبِقُدْرَتِه فَإِنَّ المَطْلوبَ مِنّا أَنْ نَأتِي إِلَيْهِ مُقِرِّينَ بِضُعْفِنا وصارِخينَ «أُؤْمِنُ يا رَبُّ فَأَعِنْ عَدَمَ إِيماني» وهُوَ رَحِيمٌ وقادِرٌ على خَلاصِنا.



يا أحبّة، إنْ كان إيمانُنا بالربِّ هو طريقُ الخَلاصِ لنفوسِنا فإنّ خَلاصَ بَلَدِنا لن يكونَ إلاّ على أيدي مسؤولين مؤتَمَنين يَضَعون مَصْلَحَةَ البَلَدِ فوقَ كلِّ مَصلحة، مُتَناسين كِبْرياءَهم ومَصالِحَهم وارتِباطاتِهم، وقبلَ هذه كُلِّها مُكتَسَباتِهم. بلدُنا يُحْتَضَرُ وإنسانُه يُعاني ولم يجدْ زُعَماؤه والمسؤولون أنّ الوقتَ قد حانَ لإيجادِ العِلاجِ وإعادةِ هَيْكَلَةِ الدولةِ بَدْءًا مِنَ الرئاسة، مِنْ أجلِ تَسييرِ البَلدِ وأمورِ الناسِ الذين لم يَكْفِهم ما يُقاسونَه مِنْ ضيقِ العَيْشِ والفَقْرِ والذُلِّ والحاجةِ، حتى بَرَزَ خَطَرٌ آخرُ بِسَبَبِ تَفَلُّتِ الأمنِ نتيجةَ عَدَمِ المُحاسَبَةِ والإفلاتِ مِنَ العِقاب، وإهمالِ ضَبطِ الحُدودِ وتَدَفُّقِ أعدادٍ كبيرةٍ من غير اللبنانيين، وُجودُ مُعظمِهم غيرُ قانونيّ، وبَعْضُهم خارِجون على القانون كما تُؤكِّدُ الإحصاءات، ويَرتَكبون الجَرائمَ في حَقِّ اللبنانيين، ومِنها جريمةُ الأشرفية، وبعدَها جريمةُ جبيل وغيرُها مِنَ الجَرائمِ المعلومَةِ وغيرِ المعلومَة. طبعاً نحن نحترمُ إنسانيتَهم ونُقِرُّ بِحَقِّهم في حياةٍ آمِنَةٍ كريمةٍ إنما في بلادِهم وليس على حسابِ حياةِ اللبنانيين وكرامَتِهم. لذلك على الحُكّامِ أنْ يُطَبِّقوا القوانين ويَعْمَلوا جاهِدين على إعادَتِهم إلى بِلادِهم، وأنْ يَحُثّوا المؤسَساتِ الدَوْلِيَةَ كي تُساعِدَهم على ذلك وتُقَدِّمَ للعائدين المُساعَداتِ اللازِمَة.



لقد زارَنا مُؤخّراً رئيسُ دولةٍ مُجاورةٍ مُمْتعِضاً مِنْ وُصولِ حَفْنَةٍ مِنَ النازِحين إلى بَلَدِه، مُسْتَنْفِرًا جُهودَه لِمَنْعِ ذلك. أفَليسَ مِنْ حَقِّ اللبنانيين أنْ يَقلَقوا هم أيضاً على بَلَدَهم ومَصيرِهم؟ لا أحدَ يَعرِفُ أعدادَ النازِحين الذين لا يَمْلِكون أوراقًا رسميةً، ولا يَدفَعون الضرائبَ، ويُقاسِمون اللبنانيين لُقمةَ عَيْشِهم، وقد أصبحوا يُشَكِّلون خَطَراً أمنياً واقتصادياً وديموغرافيا. فمِنْ واجبِ المسؤولين، حِفاظاً على بَلدِنا وشعبِه، توحيدُ مَوقِفِهم مِنْ هذه القَضية، ووضعُ خِطةٍ واضِحةٍ لِمُعالَجَتِها بِشَكْلٍ لائق، والتَحَلّي بالجُرأةِ في مُواجَهَة المجتمعِ الدولي. يَجِبُ أن تكونَ لديهم إرادةُ حِمايَةِ الشعبِ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ مِنْ أيَّةِ جِهَةٍ أتى، صَديقَةٍ أو عَدُوّة، وأن يُطَبِّقوا القوانين على كلِّ مُقيمٍ على أرضِ لبنان، تَماماً كما يُعامَلُ اللبنانيون في الخارج. على جميعِ المسؤولين مِنْ أكبَرِهم إلى أصغرِ بلديةٍ أخذُ الأمورِ بِجِديِّة تَلافِياً للأسوأ. لقد مَرَّتْ سنواتٌ ولم نَرَ مُعالَجَةً جِدّيةً. البعضُ يَتَغاضى عن الأمر، وآخرون يَتقاعَسون، والبعضُ يَكتَفي بالكلامِ وتَوصيفِ الوضع. واجِبُ المَسؤولِ تَقْليلُ الكلامِ والإكثارُ مِنَ العَمَل. المُواطنُ ليسَ مسؤولاً.



الحُكّامُ مسؤولون وعليهم إيجادُ الحَلِّ، وعلى المواطِنين أنْ يكونوا أكثرَ وَعْياً فلا يَنزَلِقون إلى أعمالٍ غيرِ قانونيةٍ أو غيرِ إنسانيةٍ تُؤدي إلى إشكالاتٍ وصِدامات. الإنسانُ، كلُّ إنسانٍ خُلِقَ ليعيشَ في الكرامةِ التي خَلَقَه اللهُ عليها، لذا على جميعِ المسؤولين، في لبنانَ والعالم، أن يَتَكاتَفوا مِنْ أجلِ حِمايةِ أيِّ إنسانٍ مِنْ أينما أتى، مِنْ لبنان وسوريا وفلسطين والعراق وأيِّ مَكانٍ في العالَم. النازحون ضحايا ومِنْ واجِبِ الجميعِ إيجادُ حلٍّ لِقَضيتهم، على ألاَّ يَكون على حِسابِ شعبٍ آخر.



غَداةَ ذِكرى 13 نيسان نَسألُ الله أنْ يَحْمي لبنانَ وشعْبَهُ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وتَشَرذُمٍ وحَربٍ، ويَجْعَلَه مِثالاً للعيشِ بسلامٍ في دولةٍ عادِلَةٍ يَحكُمُها القانون. آمين".