المطران عودة في "أحد الشعانين": المسؤولون في لبنان يتجاهلون الاستحقاقات الدّستوريّة

11 : 28

ترأس سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده قداس الشعانين في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد كبير من المؤمنين. وبعد القداس جرى زياح في ساحة النجمة شارك فيه جميع الأهالي مع أطفالهم حاملين الشموع وغصون الزيتون.


بعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى سيادته العظة التالية: "أحبّائي، سمعْنا بولس الرسول يقول “إفْرحوا في الرب كلّ حينٍ”، رغم دخول المسيح إلى آلامه الطّوْعيّة الخلاصية، أيْ إلى انْتصاره النّهائيّ على الشّرّير ومفاعيل تسلّطه القديم على الخليقة. تخاطب كنيستنا المقدّسة أبْناءها الواصلين إلى هذا الأسْبوع العظيم عبْر جهاد التّنْقية والرّجوع إلى الله، بعبارة “إفْرحوا”، لأنّ اشْتراكهمْ في ظفر الرّبّ العظيم بات وشيكاً".


وتابع: "يدعونا الرّسول بولس إلى الفرح في الرّبّ، لأنّ منْ كان مقيماً في الرّبّ هو مقيمٌ في الفرح، وهذا الفرح مباركٌ لأنّه منْ ثمار اتّحاد المؤْمن مع ربّه. لقدْ سبق أنْ قال الرّبّ: “طوبى للحزانى فإنّهم يعزّون”. الحزانى الّذين يقصدهم الرّبّ هم الباكون على خطاياهم، وهؤلاء يفْرحون حتّى في عمْق حزْنهم، لأنّهم ممْتلئون برجاء الإتّحاد بالرّبّ، الذي هو ملْء الفرح. يقول الرّسول بولس في رسالته إلى أهْل فيليبي إنّ نعْمةً قدْ أعْطيتْ لهمْ وهي أنْ يتألّموا منْ أجْل المسيح، والنّعْمة هي دائماً سبب فرحٍ. هذا لا يعْني أنّ المسيحيّ يهْوى الآلام. النّعْمة الّتي يتحدّث عنْها الرّسول هي أنّه صارتْ لنا، منْذ أنْ أزال المخلّص عنّا قيود الشّرّير وسطْوته، حريّة السّعْي إلى التّطهّر ممّا فينا منْ دنسٍ، بمؤازرة المسيح نفْسه، وصولاً إلى الإمْتلاء منْه حتّى الإتحاد الكامل به. هذا ملْء الفرح الّذي لا يقْوى عليْه حزْنٌ".


أضاف: "منذ لحْظة الْتزامه بالمسيح كيانيّاً يتذوّق المؤمن الفرح، لأنّه يعي أنّه ذاهبٌ إلى حيْث “لا يكون حزْنٌ ولا صراخٌ ولا وجعٌ فيما بعْد، لأنّ الأمور الأولى قدْ مضتْ” (رؤ 21: 4)، يكْفي المؤْمن الّذي يثبّت عزْمه على المسيح الإلْتقاء بمخلّصه ليمْتلئ فرحاً، عنْدئذٍ لا يسْمح لأيٍّ منْ مشوّشات الحياة بأنْ يشتّته عنْ غايته".


واستطرد: "لقدْ واجه القدّيسون الشّهداء والمعْترفون الآلام والإضْطهاد بالفرح والوداعة، لأنّها منْ أجْل المسيح، وكأنّها أتتْ لتؤكّد لهمْ أنّهمْ يسْلكون الطّريق الصّحيح. الوداعة تحْمي الفرح الآتي من المسيح من القلق الّذي تسبّبه الإهتمامات الدّنيويّة. بالوداعة يحْفظ المؤْمن يقظته واتّصاله بالرّبّ، ودوام اليقظة شأْنٌ حيويٌّ للمؤْمن، لأنّه يعْرف أنّ “الرب قريبٌ”، كما يقول الرّسول، الّذي يدْعو المؤْمنين إلى عدم الإهْتمام بشيْءٍ ممّا يحيط بهم وقدْ يشوّش يقظتهم".


وقال: "نحن لا نستطيعْ تقبّل المسيح ودخول ملكوت الودعاء إنْ لم نتخلّ عنْ كلّ ارتباطٍ دنيويّ، ونخْل ذواتنا منْ كلّ أنانيةٍ وكبرياء، ومنْ كلّ حقْدٍ وشرٍّ وشهوةٍ ضارة، فنصبح كالأطفال “نحمل علامات الغلبة والظفر” هاتفين: “هوشعنا مباركٌ الآتي باسم الرب"، طبْعاً، ليْس المطْلوب ألّا يتفاعل المؤْمن بشريّاً مع محيطه، لكنّ الخطر الأكْبر يكْمن في أنْ يضيّع المؤْمن أوْلويّاته. أمور الدنيا كلّها تعْبر، و”الرب قريبٌ”، أيْ إنّ ديْنونته قريبةٌ وعلى المؤمن أنْ يكون مسْتعدّاً".


أضاف: "اليوْم، في أحد الشّعانين، ندْخل فعْليّاً في الزمن الّذي فيه يدين السّيّد أصول الخطيئة ومفاعيلها بموْته، ويمْلأ مشاركي حياته منْ فرح قيامته. لقدْ دخل أورشليم ملكاً وديعاً متواضعاً راكباً على جحشٍ، فيما اليهود كانوا ينْتظرون ملكاً محاطاً بكلّ مظاهر القوّة، مدجّجاً بالسلاح، يقود جيشاً جرّاراً لينقذهم من الإحتلال الرّومانيّ. فواجهوا وداعة المسيح بالوقوف إلى الجانب الأقوى بشريّاً لكيْ يتمتّعوا بالمجْد الأرضيّ الزّائل. حكموا على المخلّص بالموت ففقدوا خلاص نفوسهم. أليْس هذا ما يفْعله أبناء هذا الدّهر إذ يقفون إلى جانب الأقوى ولو على حساب مبادئهم وكراماتهم؟ ألا تصطفّ الدول في صفّ الأقوى تاركةً الضعيف لمصيره، والمقْهور بلا أملٍ، والجائع يموت جوعاً، والمظلوم يهْلك قهْراً لأنّ الحقّ والعدالة والإنسانيّة والأخوّة والأخلاق أصبحتْ مفاهيم باليةً في عالمٍ ماديٍّ إسْتهْلاكيٍّ إنتهازيٍّ تحكمه شهوة المال والتسلّط؟ أليْس هذا ما نعاينه في هذا البلد الّذي دمّرتْ عاصمته، واغتيل أحراره ومفكّروه، وقهر أبناؤه وسرقتْ أموالهم، وما زال مسؤولوه، بسبب سوء إدارتهم، وعدم تطبيقهم الدستور، وتجاهلهم الإستحْقاقات الدستوريّة وأوّلها انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتقاعسهم عنْ إجْراء الإصلاحات الضرورية،  يدفعون أبناء وطنهم إلى اليأس والإنحراف، والمثقّفين منهم إلى الهجرة، وهم القادرون على انتشال بلدهم منْ مستنْقع الجهْل والإنحلال الّذي وصل إليْه".


وختم: "تحْمل رسالة اليوم تحْفيزاً على الفرح “في الرّبّ”، كما نجد فيها الوسيلة للحفاظ على الفرح ووقايته: “في كلّ شيءٍ فلْتكنْ طلباتكم معلومةً لدى الله بالصّلاة والتّضرّع مع الشكر”. هذا هو الدواء في الألم، والعزاء في الحزْن. هذا ما يبقي أبناء بلدنا متشبّثين بأرْضهم، وراجين خلاصاً سيأتي، ولو أتى متأخّراً، نصلّي اليوم أنْ يحْفظ الرّبّ لبنان منْ شماله إلى جنوبه، وأنْ يخلّصه منْ آلامه الّتي طالت، ويقيمه منْ موْت الجهْل والحقْد والكبرياء، ومستنْقع الدّماء، ويصون شعبه منْ كلّ متربّصٍ به شرّاً. نسأل الله أنْ يزرع محبّته وسلامه في قلوب المسؤولين لتتنقّى أفكارهم ويتبدّل سلوكهم ويحكموا بالحق والعدل، ألا كانتْ آلام المسيح الخلاصيّة مشدّدةً لنا في آلامنا، حتّى نبْلغ إلى الهتاف بفرحٍ: “المسيح قام حقّاً وأقامنا معه”، آمين".

MISS 3