جيمي الزاخم

10 سنوات وعشراتُ الأسئلة ومئاتُ المفقودين

سرُّ اختفاءِ الطّائرة الماليزية... رحلةٌ مع المجهول

16 نيسان 2024

02 : 04

لوعةٌ ترقد على رجاء المصداقيّة والحقيقة الأبديّة

المكان: الطائرة الماليزية بوينغ 777- الرحلة رقم MH370، في الفضاء الجويّ الماليزيّ. الزمان: 8 آذار 2014. الطائرة كانت أقلعتْ من مطار كوالالمبور في تمام الساعة 12:40 بعد منتصف الليل. وُجهتها مطار بكين. عند الساعة 1:20 فجراً، تواصل الطيّار مع برج المراقبة. أبلغه خروجَه من المجال الجويّ الماليزيّ واقترابَه من الحدود الفييتناميّة. يختم رسالتَه بـِ:»طابت ليلتكم». بعد لحظات، اختفت الطائرة عن الرّادار. انقطع الاتصالُ بها ومع 227 راكباً و12 من أفراد الطاقم. 10 سنوات واللّغز سيّدُ الموقف. الأسئلة تحوم حول مكانها وحقيقتِها. تحقيقات، نظريّات، إشاعات، شهادات ووثائقيّات. والنتيجة: لا طائرة لمن تنادي. ولا جثث لمن ينتظر ويبكي.



من أبرز الوثائقيّات وأشملها ما قدّمتْه منصّةُ «نتفليكس» في الذكرى التاسعة للحادثة: MH370:The Plane That Disappeared-(الطّائرة التي اختفت). خبراء، مسؤولون، صحافيّون، جماعات افتراضيّة مستقلّة، وأفراد عائلات تغيّرتْ وجهةَ حياتها. لقطاتٌ حيّة، مقابلات، رسوم غرافيكيّة، خريطة زمنيّة متسلسِلة، جولة جغرافية وتحليليّة. كلّها في رحلةٍ من 3 حلقات. أقلعَت. وثّقتْ. افترضت. وعرضتْ لغزاً بمثابة «ثعبان ما زال حيّاً».



دموع على قيد الانتظار


النظرية الأولى يطرحُها Jeff Wise صحافيٌّ أميركيّ منغمسٌ في القضية. يطلّ ويصنّف الحادثة كجريمة انتحار وقتلٍ جماعيّ نفّذها الطيّارُ زهاري أحمد شاه. يَدخل نواياه وانتماءاته السياسيّة المعارِضة للسلطة الماليزيّة. يُقدّمه كمتَّهمم أوّل في محاكمة اللّادليل واللّايقين. يُضاف تقرير الـFBI إلى هذا الاتّهام. بعد تفتيش منزل زهاري، عُثر على جهاز محاكاة منزليّ يعرض تحليقَه بمسار مشابه لما رصدتْه بيانات الرادارات والأقمار الصناعية: الطائرة عادت إلى شبه جزيرة ماليزيا قبل انعطافها نحو الشمال الغربيّ. ضدّ هذه البيّنات، تحضر التشكيكات بإمكانية التلاعب بالبَيانات والمعلومات، مع علامة استفهام عن توقيت التسريب لوسائل الإعلام وعدم تسليم التقرير للسّلطات الماليزية أو القضاء الفرنسي الذي لا تزال القضية مطروحة أمامه بعد تقديم شكوى من الفرنسيّ Ghislain Wattrelos. خسرَ زوجته وولَدَيْه في الحادثة التي واجهتْها السلطة الماليزية بافتقار ماديّ وتقنيّ أشعلَ احتجاجات شعبيّة واسعة.

تنطلق الحلقةُ الثانية من حادثة تحطّمِ طائرةٍ ماليزية بعد أربعة أشهر من الحادثة الأولى. هما من الطراز نفسه. قُتل الـ298 راكباً بعد استهدافها عند عبورها فوق شرق أوكرانيا الخاضع لسيطرة الانفصاليّين المُوالين لروسيا. يربط Wise الحادثةَ الأولى بالثانية. يستخرج أسماءَ 3 ركاب روسيّين كانوا على متن الرحلة المفقودة. يستنبط أنّ أقربهَم إلى حجرة الإلكترونيات المفتوحة والمستورة بسجّادة، تمكّن من الولوج إليها والتحكّم بنظام الاتصالات. ما الدافع؟ يجيب: أراد الروس تحويل الأنظار عن دخولهم إلى القرم. حسب الخبراء، إنّها أوهام تُلاعب الخيال. امّا الصحافيّ فيعترف أنّ تصوّره يعاني من سوء تغذية واقعيّة، غير أنّه يؤكّد أنّه يشمل نقاط قوّة تنفي الرواية الرسميّة العقيمة.



رحلةٌ مع المجهول


في أواخر تموز 2015، عثر عمّالٌ يقومون بتنظيف الشاطئ على قطعة حطام في جزيرة La Réunion الفرنسية في المحيط الهنديّ. أعلنت الحكومة الماليزية أنّها تعود للطائرة. نتيجة ذلك، انطلق المغامر الأميركي Blaine Gibson في رحلته للبحث عن الحطام بين الموزمبيق ومدغشقر. ووجد قطعَ حطام متفرّقة. تمّ تأكيد أن 7 منها تنتمي لهيكل الماليزيّة. لكنّ Wise اتّهم Gibson بالعمل لصالح الروّس. فهل يمكن أن تتغلّب الصدفة والفرديّة على كلّ جهود الطائرات والسفن في التفتيش والتمشيط؟ هذا احتمال تَشاركه مع آخرين طرحوا احتمال الزرع المتعمّد لتشتيت التحقيق. كما ارتابت الصحافية Florence de changy مراسلة جريدة «لو موند»، بسبب افتقار هذه القطع لأرقام تسلسلية والبطاقة التعريفيّة المصنّعة لتتحمّل كلّ الضغوطات. ولا تُنزع إلّا بعملية تفكيكيّة.

هذه الصحافية، وكما زميلها، تشكّك بالمسار المعلَن عنه بواسطة الأقمار الصناعية. تعود لتلك الليلة التي شهدت على تدريبَين عسكريّين في بحر الصين الجنوبي، بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية. اطّلعتDe Changy على سجلّ الشحنات. ولفتَها أنّ 2,5 طن من الالكترونيات صعدت إلى الطائرة تحت حراسة أمنية بعد عدم مرورها على أجهزة المسح. تربطها بسعي الصين حينَذاك للحصول على تقنيّات عسكرية. وتفترض أنّ الولايات المتحدة عرفت بالأمر. وقرّرت تعطيل وصول الطائرة والشحنة إلى بكين. وفي المنطقة المعزولة بين الحدود الجويّة الماليزيّة والفييتنامية، اعترضت طائرتان الرحلة. وشوّشتا على نظام اتصالاتها لتختفي عن الرادار. تعترف الصحافية أنّ هذه النظرية قدّمتها بتحليلٍ شخصي وجهد فرديّ ليزعزع الرواية الرسمية بمعلومات تخاطر ولا تؤكّد. تحفّز ولا تُشبع. انطلقت كذلك من معطيات عاد وكرّرها Wattrelos الوالد والزوج الفرنسيّ المفجوع والموجوع. في الحلقة الثانية، أَعلنَ عمّا نقله إليه أحد كبار رجال الاستخبارات: أخبره أنّ الأجابة الحاسمة مع الأميركيّين. ففي وقت الاختفاء، كانت طائرتا بوينغ مزوّدتان برادار كبير تراقبان المنطقة بتغطية تصل إلى مدار 600 كيلومتر. هنا أيضاً، يضع الخبراء كلَّ ما طُرح في إطار روايات وتكهّنات تنقصُها الأدلّة والحقيقة. أمّا الحقيقة الأكبر فتبقى في عيون وأصوات أفراد العائلات المشاركين بالوثائقيّ. يقتاتون من إشاعات وذكريات. يريدون معرفة إجابة: أين؟ كيف؟ ولماذا؟. يدوّنون أيّامهم في سجلّ اللوعة. ويعيشون على قيد الانتظار.

الحقيقة تنتظر 


إذاً، ورغم عمليات البحث التي شملت 120 ألف كيلومتر مربّع في جنوب المحيط الهنديّ وبتكلفة قُدّرت بنحو 150 مليون دولار، ما زال الانتظار على قيدٍ مجهول. وبعد التوقف الرسميّ عن البحث عام 2017، توسّعت الشركة الأميركية Ocean Infinity للروبوتات البحرية عام 2018 في عملية استكشاف إضافية لمساحة 112 ألف كيلومتر مربّع. غير أنها لم تصل لنتيجة. وفي الشهر الفائت، أعلن الرئيس التفيذي للشركة نفسها أنّهم طوّروا تقنياتهم الاستكشافية للمحيطات والبحار. وأكّد العمل مع خبراء لتحديد نطاق بحث يُنجح المهمّة. رحّب وزير النقل الماليزي بالاقتراح. ومراراً، عبّر ورئيس حكومته عن إمكانية إعادة فتح التحقيق في حال ورود معلومات موثّقة وأدلّة مقنعة. وبين تسريبات، وروايات واتّهامات سياسيّة، وعوائق مادّية وطبيعيّة، يكمن اللّغز مع صندوقَين أسوَدين ما زالا يرقدان على رجاء المصداقية والحقيقة الأبديّة.

MISS 3