ميراف زونسزين

الحرب بين إسرائيل وإيران حبل نجاة لنتنياهو

18 نيسان 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

نظام مضادّ للصواريخ يستهدف هجوماً جوياً إيرانياً على إسرائيل | 14 نيسان ٢٠٢٤

منذ بضعة أيام، كانت معظم أنظار العالم تتجه إلى أزمة المجاعة الوشيكة في غزة وفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها الحربية التي تقضي بإسقاط حركة «حماس» وإعادة الرهائن بعد مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الحرب. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتعرّض للضغوط من الرئيس الأميركي جو بايدن للسماح بإدخال كميات كافية من المساعدات الإنسانية والاتفاق على وقف إطلاق النار، وطالبه المحتجون الإسرائيليون في الوقت نفسه بإبرام صفقة الرهائن وإجراء انتخابات جديدة.

لكن عشية يوم السبت 13 نيسان، تلاشت هذه العوامل كلها حين أطلقت إيران مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ في اتجاه إسرائيل ردّاً على الضربة الإسرائيلية التي قتلت عدداً من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين في دمشق في 1 نيسان الماضي. كانت الضربة الإسرائيلية في دمشق والرد الإيراني المباشر عليها كفيلَين بإخراج الصراع القديم بين البلدَين إلى العلن بعدما كان يرتكز على ضربات سرّية واستعمال العملاء، فتحوّلت جميع الأنظار من فشل إسرائيل في غزة إلى الحرب الإسرائيلية المتوسعة مع إيران واضطر منتقدو نتنياهو في الخارج لدعمه، حتى الآن على الأقل.

طوال ستة أشهر، انشغلت إسرائيل بخوض الحرب على جبهات عدة. تزامناً مع استهداف غزة، تعرّض الإسرائيليون للهجوم من لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. فكّر القادة الإسرائيليون بإطلاق اعتداء استباقي ضد «حزب الله» في لبنان خلال الأيام الأولى التي تلت هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، لكنهم امتنعوا عن هذه الخطوة في اللحظة الأخيرة بطلبٍ من بايدن.

بذل الرئيس الأميركي جهوداً كبرى لمنع تصعيد الوضع في المنطقة، وحذت إسرائيل حذوه عموماً منذ ذلك الحين، فالتزمت بقواعد اللعبة الضمنية في اعتداءاتها المتبادلة مع «حزب الله» في لبنان والمواقع التي تستهدفها في سوريا، وتركت الولايات المتحدة تتعامل مع العراق واليمن. ورغم استهداف «حزب الله» لإسرائيل يومياً بالطائرات المسيّرة، والمعدات المضادة للدبابات، والصواريخ، وتهجير 80 ألف شخص من المنطقة الحدودية الشمالية، قررت إسرائيل منذ مرحلة مبكرة من الحرب أن تُركّز على قطاع غزة وتعتبر لبنان جبهة ثانوية. لا يمكن الاستخفاف ببقاء هذه الجبهة تحت السيطرة أو عدم انجرارها إلى حرب شاملة، نظراً إلى المخاطر الكبرى التي تطرحها سوء التقديرات شبه اليومية من الجانبَين منذ أشهر عدة.

لكن يبدو أن هذه المقاربة الحذرة انهارت بالكامل بعدما قررت إسرائيل قتل قائد بارز من «فيلق القدس» داخل مقر القنصلية الإيرانية في سوريا. سبق واستهدفت إسرائيل مسؤولين من «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا، آخرها الضربة الصاروخية التي قتلت المسؤول الإيراني السيد رضي الموسوي في دمشق، في يوم عيد الميلاد من السنة الماضية، لكن كان هجوم 1 نيسان الذي استهدف القنصلية الإيرانية شكلاً خطراً من التصعيد لأن الإيرانيين وآخرين اعتبروا هذا الاعتداء انتهاكاً للمعاهدات الدولية.

يُجمِع الخبراء العسكريون الإسرائيليون، والمحللون، وبعض المسؤولين الأمنيين السابقين، على اعتبار تلك الخطوة سوء تقدير من الجانب الإسرائيلي، ما يعني أن إسرائيل استغلت الفرصة التي حصلت عليها لإطلاق تلك العملية من دون التفكير بكلّ التداعيات المحتملة. إنه تحليل منطقي. أصبحت إسرائيل معتادة على مهاجمة المسؤولين العسكريين الإيرانيين من دون أن تواجه أي ردّ مباشر من طهران.

في الوقت نفسه، استفادت إسرائيل من تلك الضربة ومن الرد الإيراني، فتراجعت عزلتها الديبلوماسية في العواصم الغربية على الأقل، وحصل نتنياهو تحديداً على حبل النجاة الذي يحتاج إليه.

سارعت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا... إلى الدفاع عن إسرائيل خلال الرد الإيراني عبر تقاسم المعلومات الاستخباراتية، أو مراقبة المجال الجوي، أو اعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ. تدين إسرائيل بمعظم نجاحها في إعاقة الذخائر الإيرانية، كما تدّعي، إلى طريقة تصميم الهجوم الإيراني، فهو سمح للطرف الآخر بالاستعداد قبل وقوع الاعتداء وجدّد دعم الحكومات الصديقة لنتنياهو بعدما خسره بسبب تحركاته في غزة.

نشر عدد كبير من قادة العالم بيانات تدين إيران وتدعم إسرائيل. تمكنت إسرائيل من الاتكال على الدعم الغربي والعربي في إطار ما يعتبره أعضاء حكومة الحرب «تحالفاً استراتيجياً» محتملاً أو «ائتلافاً إقليمياً» ضد إيران (مع أن فكرة مشاركة الدول العربية في تحالف مماثل تبقى بعيدة المنال). وبدل أن يناقش مجلس الأمن في الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في غزة، انشغل بإدانة هجوم إيران.

يأتي هذا التحوّل في المواقف بعد أيام على استهداف إسرائيل لموكب «المطبخ المركزي العالمي» أمام أنظار العالم، ما أسفر عن مقتل سبعة عمال إغاثة، ولم تقدّم إسرائيل حتى الآن تبريراً حقيقياً لما حصل. وقبل هجوم إيران، بدا الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل على وشك الانهيار.

في غضون ذلك، كانت شعبية نتنياهو قد بلغت أدنى مستوياتها منذ بداية الحرب، محلياً وخارجياً. لامت بعض عائلات الرهائن الإسرائيليين في غزة نتنياهو على عدم التوصل إلى صفقة ناجحة، واتضحت هذه المواقف في تصريحات أعضاء من فريق التفاوض الإسرائيلي تكلموا من دون الإفصاح عن هويتهم، فاعتبر هؤلاء نتنياهو عائقاً يمنع التوصل إلى حلّ. ومنذ بضعة أسابيع، دعا زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي تشاك شومر، نتنياهو إلى التنحي من منصبه. كذلك، بدأ أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيون يطالبون بايدن بجعل المساعدات المخصصة لإسرائيل مشروطة. حتى أن افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» دعمت هذا المطلب.

لكن يسود اليوم وضع مختلف بالكامل، إذ ينتظر العالم قرار إسرائيل في شأن ردّها المضاد، لا سيما طريقة الرد المتوقعة، ويترقب الجميع مدى استعداد بايدن لاحتواء أي ضربة مماثلة. فجأةً، لم تعد أحداث غزة تحت الأضواء. يقال إن سكان غزة أمضوا ليلة قد تكون الأكثر هدوءاً منذ ستة أشهر خلال الهجوم الإيراني، لكنّ احتمال نشوء حرب إقليمية واسعة وأكثر خطورة طغى على الحاجة المُلحّة إلى وقف المجاعة وسفك الدماء في غزة، وإعادة الرهائن، وإيجاد مخرج للأزمة في المراحل المقبلة.

بسبب هذه التطورات المستجدة، سيواجه بايدن اختباراً شائكاً لإثبات مدى التزامه بمنع تصعيد الصراع إقليمياً، بما أن الولايات المتحدة لطالما ربطت نفسها بالدفاع عن إسرائيل في المنطقة منذ هجوم 7 تشرين الأول ومن المتوقع أن تنجرّ إلى أي تصعيد واسع النطاق. عملياً، لا تستطيع إسرائيل أن تهاجم إيران من دون تنسيق تحركاتها مع الولايات المتحدة والاستفادة من دعمها. في الحالة المثلى، قد تُسرّع المناوشات الإسرائيلية - الإيرانية إنهاء الحرب في غزة بعدما اتّضح للجميع أن استمرار هذه الحرب يضع المنطقة على حافة الهاوية.

على صعيد آخر، قد يؤدي أي صراع مباشر بين إسرائيل وإيران إلى تقوية نتنياهو بعدما خسر ثقة بايدن، والوزراء في حكومته، ومعظم الرأي العام الإسرائيلي. لن تفكّر الحكومة الأميركية بفرض شروط جدّية على إسرائيل مقابل منحها المساعدات فيما يواجه البلد هذا النوع من الأزمات. بدل عزل نتنياهو وتهميشه، وهي النزعة التي انتشرت في أماكن كثيرة قبل الأحداث الأخيرة، يجب أن تكثّف واشنطن الآن تواصلها وتعاونها معه.

مع زيادة قادة العالم الداعمين لنتنياهو علناً ضد إيران، قد يتمكن هذا الأخير من وقف عملية غزة، ويوحي بأنه يتفاوض للاتفاق على وقف إطلاق النار، مع أن تصرفاته توضح للجميع أنه لا يهتم بأيّ من هذه الأهداف. في الوقت نفسه، يمكنه أن يؤخّر أي حملة لإجراء انتخابات قد تُسقِطه من السلطة، فيما تتحول جميع أنظار العالم إلى منطقة الشرق الأوسط الشائكة ومخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة.

MISS 3