يسلك ملف التمديد للبلديات والمخاتير طريقه في البرلمان. وكان موقف رئيس مجلس النواب نبيه برّي حازماً في رفض إجراء الانتخابات «بلا الجنوب». وتستعدّ «القوات اللبنانية» والمعارضة السيادية والتغييريون إلى مواجهة التمديد. وتبدو الأرقام لمصلحة معسكر التمديد بسبب سيطرة المصالح المناطقية والحسابات على كل القوى السياسية المؤيّدة.
بعد إقرار التمديد الثالث، ستحظى المجالس البلدية التي انتُخبت عام 2022 بنصف ولاية، لكنّ المواطن الذي يتوق إلى التغيير لن يحالفه الحظ هذه المرة. ففي ظلّ انهيار الدولة كان على البلديات تأدية دور مركزي في متابعة شؤون الناس، البعض فعل فعله بينما سيطر الروتين الإداري والعجز على الغالبية الساحقة من البلديات ودفع المواطن الثمن. تأمّل البعض، نتيجة ترهّل الدولة المركزية، السعي إلى إقرار اللامركزية الموسّعة، وإذ تأتي المفاجأة بتمديد ثالث أراده «الثنائي الشيعي» أمراً واقعاً، ووافق عليه معظم الكتل الموالية والوسطية، وعارضته المعارضة فقط.
وإذا كان الهمّ الحياتي والخدمات الأساسية مرتبطة بعمل البلديات، إلا أنّ هناك موضوعاً وجودياً ذا صلة، وتفجّر بشكل كبير بعد جريمة اغتيال منسّق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان، وهذا الموضوع هو أزمة النزوح السوري. ويرمي مجلس الوزراء جزءاً كبيراً من المسؤوليات على البلديات، ولا يترك وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي مناسبة إلا ويركّز على عمل السلطات البلدية، لكن الحقيقة هي عدم وجود رغبة عند البلديات أو قدرة على القيام بشيء في ما خصّ النزوح.
والمضحك المبكي هو لجوء بعض البلديات في منطقة جبيل والبترون وكسروان وأقضية أخرى إلى الظهور بمظهر المنتفض والعامل على ضبط النزوح، بينما الحقيقة أنّ معظم التدابير التي أصدرتها البلديات لا قيمة لها، وكان يجب تطبيقها منذ عام 2022. ففي 2 أيار 2022 أصدر وزير الداخلية تعميمه الشهير طالباً من البلديات ضبط النزوح وإجراء إحصاء ميداني لعدد السوريين، والصدمة كانت إعلان بعض البلديات مباشرة المسح وبعض الخطوات، ولكن بعد جريمة اغتيال سليمان.
ومن جهة ثانية، جاء في تعميم وزير الداخلية منع أي بلدية من استقبال سوريين جدد ومن التعامل مع المنظمات الدولية من دون أخذ موافقة وزارة الداخلية، والواقع أنه بعد انتفاضة أهالي بساتين العصي على الواقع الشاذ الذي كان في بلدتهم ومثلث بساتين العصي - كفرحلدا - بيت شلالا، غادرت عائلات سورية غير قانونية البلدة والمثلث وانتقلت إلى عمشيت وساحل جبيل، وكان آخر العائلات المغادرة إلى ساحل جبيل في 24 آذار الماضي، مع أن تعميم الداخلية يمنع استقبال أي نازح جديد.
ويُعتبر الوضع في ساحل جبيل على سبيل المثال كارثياً، وتشير إحصاءات قبل حصول حادثة اغتيال باسكال سليمان إلى وجود أعداد كبيرة من السوريين معظمهم بلا أوراق ثبوتية وسط تقصير فاضح من البلديات، وعلى سبيل المثال، تضمّ كل من عمشيت 4700 سوري، جبيل 4200 سوري، بلاط 2800 سوري، نهر إبراهيم 1800 سوري، وهؤلاء يرتفع عددهم من دون حسيب أو رقيب، حيث يسكن في المنزل أكثر من عائلة بينما المسجّل فعلياً تكون عائلة واحدة. في حين يوجد نحو 20 ألف سوري يتوزعون على 30 بلدة جبيلية بين الساحل والوسط.
ما يسري على جبيل يسري على بقية الأقضية، وهذا يدلّ على كارثية التمديد لبلديات فشلت في التعامل مع أزمة النزوح، وتأتي هذه السلبية نتيجة أسباب عدّة، فمعظم رؤساء البلديات لا يرغبون في مغادرة السوريين، لأنّ قسماً من السكان يستفيد من الإيجارات، وقد ينقلبون عليه ويحجبون الأصوات، أما بعض رؤساء البلديات فيستفيدون من هذه الفوضى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقسم آخر يستفيد من الجمعيات ومفوضية الأمم، وبعضهم مستهتر بحجم الأزمة، وآخرون يخافون من ردّ فعل السوريين والجمعيات التابعة لمفوضية الأمم، وبالتالي ما عجزت عن فعله أغلبية البلديات في 12 عاماً، هل تفعله الآن؟