رواد مسلم

"حرب الإستنزاف" لا تصبّ في مصلحة كييف

20 نيسان 2024

02 : 00

من آثار القصف الروسي على حيّ سكني في دنيبرو أمس (أ ف ب)

استفادت القوات الروسية في الأيام الماضية من الوضع اللوجستي المتراجع لدى الجيش الأوكراني لتُحقّق مكاسب على الخطوط الأمامية في ظلّ شبه عجز لدى القوات الأوكرانية عن تقديم ردود فعل فعّالة لصدّ الهجمات الأرضية والصاروخية والمسيّرة المتكرّرة، فضلاً عن القنابل الإنزلاقية المدمّرة والدقيقة التي تخترق الدفاعات الجوية الأوكرانية المستنزفة بنفاد ذخائرها. وهذا الوضع سيزداد سوءاً بالنسبة إلى الجيش الأوكراني المدافع مع اقتراب فصل الصيف من دون تزويده بالمساعدات العسكرية الضرورية جدّاً في هذه المرحلة.

من المؤكّد أنّ الولايات المتحدة تستطيع تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخائر اللازمة في حال تذليل المشكلات السياسية داخل الكونغرس ولإقرار حزمة مساعدات ضخمة مخصّصة لكييف بشكل سريع، والأهمّ قبل نهاية ولاية الرئيس الحالي جو بايدن في كانون الثاني 2025، لأنّه في حال إنتخاب المرشّح الجمهوري دونالد ترامب، سيقف الجيش الأوكراني عاجزاً معنوياً عن التقدّم، وهذا ما سيُقرّب مصير الحرب إلى المفاوضات والتنازلات التي هي الحلّ الوحيد لصدّ التقدّم الروسي المستقبلي.

في هذه المرحلة، على الجيش الأوكراني الاستفادة من التقديمات المالية لتقوية مصانعه المحلية وبناء قوّته اللازمة للحرب الطويلة، وفي نفس الوقت، تعتبر هذه التجربة الأوكرانية القاسية درساً وإنذاراً للدول الأوروبّية كافة التي كانت وما زالت تعتمد بشكلٍ كبير على الأسلحة الأميركية وعلى حلف «الناتو» الذي هو بدوره يعتمد على قدرة الولايات المتحدة الهائلة للردّ على أي تهديد. الأوروبّيون، وعلى الرغم من تزايد إنتاجهم الدفاعي، لا يملكون القدرة على سدّ الفجوة التي خلّفتها الولايات المتحدة في المخزون الأوكراني، فماذا إذا قرّر بوتين توسيع رقعة الحرب نحو دول أوروبّية أخرى؟

يرتفع معدّل نمو الاقتصاد الروسي منذ غزو أوكرانيا، ذلك لكونه يعتمد بشكل أساسي على صادرات النفط القوية، فضلاً عن العلاقات الروسية - الصينية المتينة التي عُزّزت بالتبادل التجاري غير المتأثّر بالعقوبات الغربية. هذا ما يُبرّر قدرة الجيش الروسي على سرعة إعادة تزويد القوات الميدانية بالعتاد اللوجستي، فضلاً عن استخدام أموال كبيرة لتحفيز التجنيد، لوفرة المال في الخزينة الروسية، وقطع المعدّات المتطوّرة وحاجات المصانع الدفاعية بالتعاون مع الصين المتطوّرة تكنولوجيّاً.

يتعيّن على الجيش الأوكراني حصر استخدام الأسلحة الدقيقة لضرب المنشآت النفطية والبنى التحتية الحيوية، خصوصاً مع ضيق الوقت ووضوح نية الجيش الروسي بغزو المزيد من الأراضي من دون وجود إهتمام غربي يقلب الموازين، إذ إنّ ضرب الأهداف العسكرية لن يُقدّم أي ميزة عسكرية للجيش الأوكراني المدافع في هذه الحرب، ذلك بفضل سرعة إعادة بناء القدرات الدفاعية الروسية.

أمّا في الداخل، فيتوجّب على الجيش الأوكراني حماية الأهداف الاستراتيجية قدر المستطاع، والإلحاح بشكل متزايد للحصول على أنظمة الدفاع الجوي الأكثر فعالية من طراز «باتريوت» المتواجدة لدى العديد من الدول الحليفة (حوالى 100 نظام)، وهذا ما شدّد عليه زيلينسكي في 6 نيسان عند التصريح بأن أوكرانيا بحاجة إلى 25 نظام «باتريوت» من أجل حماية البلاد بشكل كامل من الهجمات الصاروخية الروسية.

وإضافة إلى حماية المواقع الاستراتيجية، المطلوب الاقتصاد بالذخائر الدقيقة لضرب الأسلحة الروسية الاستراتيجية، وهذا ما فعله الجيش الأوكراني أمس بضرب وتدمير أوّل قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى من طراز «تي يو 22 أم 3 باكفاير» في الجوّ خلال تنفيذها مهمة قتالية في دنيبر وبتروفيسك، ما يؤكّد قدرة الاستخبارات الأوكرانية العالية على رصد الأهداف الجوية الروسية وضربها.

من الواضح أنّ أوكرانيا تستفيد من أنظمة الدفاع الجوي التي تمتلكها منذ عهد الاتحاد السوفياتي وتعمل على تطويرها، بدلاً من إنتظار الأنظمة الغربية فقط. إنّ مدى نظام «أس 200» الذي استخدمه الجيش الأوكراني لتدمير القاذفة الاستراتيجية لا يتخطّى 160 كلم، حسب مواصفات الشركة المصنّعة، لكنّ القاذفة «تي يو 22 أم 3» كانت تبعد 300 كلم عن بطارية نظام «أس 200»، ما يؤكّد تطوير النظام وراداره الذي رصد القاذفة من مسافة أبعد.

فرص أوكرانيا في طرد القوات الروسية عام 2024 باتت ضئيلة جدّاً، وحتّى إرهاق القوات الروسية واستنزافها أمر لن يُحقّقه الجيش الأوكراني. وفي هذه الحالة، لم يعد أمام الأوكرانيين سوى العمل بشكلٍ دقيق على ضرب الأهداف الاستراتيجية التي تؤثّر معنويّاً على قيادات الجيش الروسي، والعمل على تقوية المصانع الدفاعية بشكل يُمكّنها في العام 2025 من صدّ الهجمات الروسية بشكل فعّال. والأهمّ متعلّق بالشقّ السياسي، بأن تنتقل كييف إلى المفاوضات التي ستنهي القتال بدلاً من «حرب الاستنزاف» التي لن تصبّ في مصلحة الجيش والشعب الأوكرانيَّين.

MISS 3