لا تبدو العلاقة بين الكوادر الحزبية في تياري «المستقبل» و»العزم» في الشمال بحال جيدة، خلافاً لما يحاول الرئيسان سعد الحريري ونجيب ميقاتي الإيحاء بأنّ العلاقة بينهما وطيدة إلى حدّ التنسيق الكامل في كل شأن داخلي. لا يزال الحريري في كل زيارة للبنان في ذكرى 14 شباط يحرص على زيارة ميقاتي، تأكيداً منه على متانة العلاقة السياسية بينهما، والتي توطّدت بعد الانتخابات النيابية عام 2018، حيث خاضها الطرفان بلوائح متنافسة، لتعود الأمور بينهما إلى التصالح بعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة.
في المقابل، إنّ أداء قاعدة ميقاتي الذي ترأس الحكومة بعد اعتذار الحريري عن التأليف عام 2021، وبمباركة نادي رؤساء الحكومات السابقين وعلى رأسهم الحريري، والذي يشير بشكل دائم الى أنه يتشاور ويتواصل مع الحريري في الشؤون الداخلية، لا يشير إلى هذا الودّ أبداً مع قاعدة الحريري. فتنسيق الطرفين على مستوى القاعدة ليس في مستوى التنسيق على مستوى القادة، ولا سيّما أنّ قاعدة كل طرف تعمل لصالحها ولصالح عودة رئيسها مرة ثانية إلى رئاسة الحكومة. وهذا ما كان واضحاً وضوح الشمس في انتخابات نقابة المهندسين في طرابلس والشمال الأحد الماضي، إذ ابتعد «العزم» عن «المستقبل» بالكامل وذهب إلى دعم المرشح المنافس لمرشح «المستقبل» لرئاسة النقابة ودعم لائحته كاملة، مع أنّ الجميع كانوا يتوقعون في بداية التخطيط للانتخابات أن يكون «تيار العزم» إلى جانب «تيار المستقبل»، كما كانا في الانتخابات النقابية التي سبقت، وبما يوحي به التنسيق السياسي الدائم بين رئيسي التيارين.
تستغرب مصادر قيادية شمالية في «المستقبل» ما سمّته «الحماسة المفرطة التي أبداها مهندسو «العزم» وكوادره في طرابلس والشمال لمصلحة لائحة «النقابة للجميع» المنافسة للائحة «نقابتنا» المدعومة من «المستقبل»، مع أنّ تلك اللائحة ستدفعها إلى التلاقي مع «التيار الوطني الحرّ» أشد ّالمعارضين الحاليين للرئيس ميقاتي وحكومته. وتقول المصادر: «فضّل «العزم» التحالف مع كل خصومنا السياسيين وخصومه من نواب طرابلس كالنائبين أشرف ريفي وفيصل كرامي، ونزل بماكينته الإعلامية والنقابية والحزبية كافة إلى جانب النقيب واللائحة التي تنافسنا، وكأنها معركة كسر عظم ضدّنا، في حركة لم نعهدها منهم حتى عندما كنّا حلفاء في الإنتخابات النقابية الماضية. كان من الممكن لمرشح «العزم» باسل خياط أن يكون على لائحتنا، لكن «العزم» من البداية رفض التلاقي في المهندسين، وهو أمر مستغرب ولا يعكس حالة الإستقرار السياسي بين الطرفين».
وردّاً على هذا الكلام، يقول مصدر نقابي في تيار «العزم» في طرابلس: «إنّ تيار «المستقبل» من الأصل لم يكن مستعداً للنقاش معنا في مسألة اختيار المرشحين على اللوائح، ولم يأخذ هواجس الأطراف جميعها بما فيها نحن على محمل الجد، وحاول أن يقرر اللائحة والأسماء بمعزل عن رأينا، وهذا أسلوب لا يمكن السير به في طرابلس، فنحن لنا وجودنا وكياننا ولا يمكن أن نكون تابعين بهذا الشكل». أما عن تحالف «العزم» إلى جانب «التيار الوطني الحرّ» فيذكّر المصدر بأن «المستقبل» تحالف مع «القوات اللبنانية» في عزّ الخلاف السياسي معها «فلماذا يمنع علينا ويسمح لهم؟ هذه تحالفات ظرفية وعلى القطعة».
المعركة التي حصلت في انتخابات المهندسين كانت بين أطراف سياسية عدة، ولكن كلها في كفّة وبين «المستقبل» و»العزم» في كفّة أخرى، وهي تشبه إلى حدّ بعيد المعارك الإنتخابية السابقة في انتخابات 2018 ولو بصورة مصغّرة. المرّة الأولى التي شهدت تحالفاً بين الطرفين كانت في الانتخابات البلدية في طرابلس 2016 ومُني التحالف بالفشل على يد النائب ريفي.
تتساءل أوساط شمالية عن مغزى عدم دعم تيار «العزم» والرئيس ميقاتي مرشح الحريري وتيار «المستقبل» لنقابة المهندسين مرسي المصري، وتسأل: لماذا لم يُترك هذا الإستحقاق من دون تدخل من ميقاتي، علماً أنّ الأخير ترك استحقاقات أهم ولا سيما الإنتخابات النيابية ولم يتدخّل فيها ولم يترشّح لها؟ وهو يعلم أنّ الحريري شخصياً مهتم بالأمر ويسعى للعودة بقوة إلى النقابات، لا أن يخسر تلك النقابات المحسوبة عليه؟
نقابة المهندسين في طرابلس تعتبر عرين «المستقبل» منذ سنوات، فهل تؤسس نتائجها لقطيعة بين «المستقبل» و»العزم»؟