النوم يُحسّن قدرات التعلّم

02 : 00

يبدو أن مرحلتَين مختلفتَين من النوم تؤثران بقوة على مسار التعلّم: تُحسّن المرحلة الأولى الأداء العام، وتُرسّخ المرحلة الثانية المعلومات المكتسبة في اليوم السابق.

يعرف العلماء منذ وقتٍ طويل أن النوم السليم يصنع العجائب على مستوى تعلّم المهارات الجديدة. لكن لم يكن دور مراحل النوم المختلفة واضحاً بالقدر نفسه. ساد جدل حول أثر مرحلة "حركة العين السريعة" التي تظهر فيها الأحلام، ومرحلة "حركة العين غير السريعة" التي تخلو من الأحلام.

تطرح دراسة جديدة أجراها علماء نفس في قسم العلوم المعرفية واللغوية والنفسية في جامعة "براون" في مدينة "بروفيدانس"، "لونغ آيلند"، أدلة مهمة قد تسهم في إنهاء الجدل القائم. نُشِرت نتائجهم في مجلة "علم أعصاب الطبيعة".

التعلّم البصري


يبدو أن الدماغ ينظّم عملياته لزيادة فاعليته أثناء النوم. وفق فرضية شائعة في هذا المجال، يحقق الدماغ هذا الهدف عبر إعادة تنشيط نقاط الاشتباك العصبي التي تزداد قوة خلال النهار ثم يُضعِفها كلها عشوائياً. هذه العملية تسهم في تجديد مرونة الروابط الموضعية والشبكات الأكبر حجماً في الدماغ، ما يؤدي إلى تحسين الأداء عموماً. في الوقت نفسه، يجب أن يُجدّد الدماغ خلال النوم استقرار نقاط الاشتباك العصبي الأساسية منعاً لحذف المعلومات المكتسبة في اليوم السابق واستبدالها بالتجارب الجديدة.

لمعرفة توقيت حصول هذه العملية خلال النوم، طلب العلماء من المتطوعين في الدراسة الأخيرة تنفيذ مهمة نموذجية من نوع التعلم البصري. تقضي هذه التجربة بالتعرف على الأحرف واتجاه الخطوط التي تظهر على الشاشة خلال مهمتَين مختلفتين: واحدة قبل النوم والثانية بعد النوم.

ظهرت الأحرف والخطوط على خلفية ثابتة من الخطوط الأفقية أمام أول مجموعة من المتطوعين، وكانت الخطوط عمودية أمام المجموعة الثانية.

ثم سُمِح للمشاركين بالنوم طوال 90 دقيقة تزامناً مع وضع رؤوسهم داخل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي. بعد نهوضهم، أعطاهم العلماء 30 دقيقة كي يستيقظوا بالكامل قبل تكرار المهمة نفسها، لكن كانت الخطوط الخلفية في اتجاه معاكس هذه المرة. أخيراً، لم تُكلَّف مجموعة ثالثة من المتطوعين بأي مهمة تعليمية قبل النوم أو بعده.

إستعمل الباحثون أقطاباً كهربائية ملتصقة بجفون المشاركين وفروة رؤوسهم لرصد توقيت مختلف مراحل نومهم. كذلك، استخدموا تقنية التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي لقياس الكميات النسبية من ناقلَين عصبيّين (الغلوتامات وحمض الأمينوبوتيريك غاما) في الأجزاء الدماغية المسؤولة عن تحليل المعلومات البصرية.

ينقل الغلوتامات الإشارات التحفيزية في الدماغ، بينما ينقل حمض الأمينوبوتيريك غاما الإشارات المُثبِطة. يظن علماء الأعصاب أن ارتفاع كمية الغلوتامات نسبةً إلى الحمض يعكس زيادة في المرونة العصبية.





مرونة مضاعفة

حين حلل العلماء نتائجهم، اكتشفوا أن المرونة زادت خلال مرحلة "حركة العين غير السريعة" التي ترتبط بتحسّن الأداء في المهام الحاصلة بعد النوم. حتى أن مستوى المرونة ارتفع خلال هذه المرحلة في المجموعة التي لم تُكلَّف بأي مهمة تعليمية، ما يثبت أن الدماغ يقوم بعملية تنظيمية شاملة. في مراحل لاحقة من حصة النوم، تراجعت مرونة الروابط الدماغية في المجموعة التي نفذت مهمة تعليمية إلى أقل من المستويات المسجلة خلال ساعات اليقظة في مرحلة "حركة العين السريعة". يبدو أن هذا التراجع يمنع خسارة أي تحسّن في الأداء. بعبارة أخرى، قد تسهم فترة "حركة العين السريعة" في ترسيخ المعلومات المكتسبة قبل النوم وزيادة قدرتها على مقاومة تأثير المعلومات اللاحقة.

في المجموعة التي لم تصل إلى مرحلة "حركة العين السريعة" خلال التسعين دقيقة داخل جهاز مسح الدماغ، لم يترسخ تحسّن الأداء بعد القيلولة.

في المحصّلة، تكشف الاستنتاجات النهائية أن مرحلتَي النوم مهمتان لاكتساب المعلومات. حين "يرتاح" الدماغ، تُحسّن مرحلة "حركة العين غير السريعة" الأداء في المهام التي تشمل معلومات جديدة. لكن من دون مرحلة "حركة العين السريعة" لترسيخ الذكريات، لا مفر من خسارة تلك المكاسب.

في مطلق الأحوال، تُركّز الدراسة الأخيرة على جزء دماغي محدّد وتشمل مهمة تعليمية واحدة. لذا يريد الباحثون أن يتأكدوا من قدرتهم على تطبيق المبادئ نفسها في عمليات التعلّم بشكل عام. كذلك، يرغبون في استكشاف دور النوم عند استعمال المكافآت للتحفيز على التعلّم.

أثبت الباحثون سابقاً أن المكافآت تعزز التعلم البصري عن طريق النوم، ولهذا السبب يريدون فهم مسار هذه العملية. تسمح هذه الفكرة الواعدة بتوسيع هذا النوع من الأبحاث كي يشمل أشكالاً أخرى من التعلّم ويتمكن الناس من حفظ الذكريات وتحسين القدرات التعليمية الحركية والمهارات البصرية وحس الإبداع.


MISS 3