الثورة أعلنت هزيمتها أمام الأحزاب في نقابة المهندسين، بعدما كانت، بالتعاون بينهما، قد حققت نصراً مبيناً مرتين. ذلك يعني ضرورة مراجعة تجربتي النجاح والفشل، على ضوء قراءة نقدية للعلاقة بين الطرفين، وانطلاقاً من أنّ أحزاب السلطة لا تصنع ثورة، وأنّ الثورة لا تضمن النجاح إلا إذا حظيت بدعم الأحزاب. إذاً هي معضلة تواجه كلاً منهما.
يتفق الطرفان على تشخيص أزمة النظام. تخريب ممنهج للدولة، بالقضاء على مؤسساتها وانتهاك القوانين والدستور وتدمير الجامعة اللبنانية وقطاع التعليم وتحاصص الوظائف العامة والاستيلاء على الإدارة وتوزيعها على المحاسيب والأزلام من عديمي الكفاءة وممتهني السرقة وممارسة الفساد والتشبيح على القانون.
سلطة الفساد المتناسل، نظام المحاصصة البشع، دويلات العصابات وقطاع الطرق والسطو المسلح والنهب المنظم. مخدرات وخوات وفلتان أمني وانتشار حواجز للخاطفين لحسابهم أو لحساب دول وقوى خارج الحدود. فضائح متسلسلة، من الأغذية الفاسدة إلى سرقة المال العام والأملاك البحرية والنهرية والنفط الموعود والميزانيات الضائعة.
تراشق بالتهم والشتائم وتنظيم الخلافات والاشتباكات لفرز الشعب اللبناني وتوزيعه على الطوائف والمذاهب والمناطق، وفرض الولاء الأعمى عليه لزعيم يلهث وراء سلطة أو مال، أو الولاء الغريزي للطائفة ضد الطوائف الأخرى زرعاً للشقاق وسعياً وراء الفتن. تجديد للطبقة السياسية الفاسدة بآليات بالية تعيد انتخاب من لا يمثل غير مصالح سيده الأعلى.
توارث المواقع في النظام وداخل الأحزاب وتخريب المؤسسات. الاستيلاء على القضاء بالترهيب وتدمير الركن الأساس في بناء الدولة الحديثة، أي سلطة القانون وتعطيل مؤسسات الرقابة، وتعميم قيم التشبيح والبلطجة، لتسود قيم المحسوبية والتزلف والاستجداء والتسكع على أبواب النافذين بديلاً من الكفاءة وتكافؤ الفرص.
تعطيل انتخابات الرئاسة وتهرّب من البحث عن حلول بالتمديد للأزمات وللبلديات على جري عادة التمديد للمجلس النيابي. تهرّب، بشكل خاص، من الإصلاحات الضرورية المطلوبة لإعادة الأموال المنهوبة وإعادة الودائع لأصحابها وتصحيح الأجور وحل الأزمة المالية النقدية.
لا يختلف اثنان من الأحزاب أو من أهل الثورة على تشخيص الحد الأدنى هذا، ولا على المخاطر الناجمة عن أي من هذه الأعراض، ولا سيما في ظل الظروف الناجمة عن حرب غزة ومضاعفاتها، لكن الطرفين يتوجسان لخلاف على الأولويات. القضية أولاً قبل السلطة. هذا هو بيت القصيد. فكيف إذا كانت السلطة في نظر البعض هي القضية؟
إنّ هذه الأمراض المستعصية الراسخة الجذور في بنية السلطة الحاكمة تتطلب من الأحزاب منسوباً عالياً من الترفع ومن أهل الثورة أن يتواضعوا ويعرف كل منهم حده ويقف عنده ليساهم في توحيد الجهود على الأساسي من المهمات، من أجل إعادة بناء الوطن سيداً حراً مستقلاً، وإعادة بناء الدولة، دولة الحق والقانون، بديلاً من دولة المحاصصة.
يا شباب الثورة وشاباتها، رصوا صفوفكم وتعاونوا مع الأحزاب خلف شعار الدولة. لا حل إلا بتجديد الثورة وتخليصها من الشوائب والنضال تحت سقف الدستور.
لا حل إلا بوحدة الثوار والتنسيق مع الأحزاب والعودة إلى الشارع.