غادة حلاوي

بري نصب "المكيدة" النيابية فاستقال دياب... و"حزب الله" جمّد اتصالاته

11 آب 2020

01 : 59

(دالاتي ونهرا)

ختمت حكومة حسان دياب عمرها بالإعلان عن "إنجازين"، الأول قضائي بإحالة جريمة المرفأ الى المجلس العدلي، والثاني إداري بتعيين رئيس مجلس إدارة لمرفأ بيروت لتسيير أمور المرفأ موقتاً. أنهى دياب عمره كرئيس للحكومة بكلمة تضمنت مواجهة شرسة مع الطبقة السياسية وتولت قناة "سي أن أن" الاميركية نقلها، لم يستثنِ منها الثنائي الشيعي و"التيار الوطني الحر" الذي كان يجب ان يكون أكثر صرامة في حماية الحكومة لتخرج بإنجازات الى الناس.

أغرب ما في هذه الحكومة ان سقوطها كان متوقعاً منذ يوم تشكيلها. حكومة اللون الواحد والفريق السياسي الواحد التي لم تصمد أكثر من سبعة أشهر كانت مليئة بالإخفاقات والتعثر. تجربة لم تكن موفقة ستكون درساً سيتم تلافيه مع تشكيل الحكومة المقبلة. وسيكون مخاض تشكيل أي حكومة جديدة عسيراً لا بل مستحيلاً اللهم الا في ظل رعاية فرنسية بدأت معالمها ترتسم مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت دياب الى التمسك باستقالته هي الجلسة التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري لمساءلة الحكومة في مجلس النواب على خلفية تفجير المرفأ. لم يستسغ رئيس الحكومة المستقيل كيف يضعه بري عرضة للمساءلة ويحمله وزر سنوات غيره من الفساد والهدر بينما كانت وجهة بري تلبية رغبة المطالبين بالدور الرقابي لمجلس النواب وبأن للحكومة ممثلين عنها في مجلس النواب يمكن ان يدافعوا عنها. يقول مناصرو موقف بري ان المساءلة لو جرت كانت ستجرجر معها كل العهود منذ العام 2014 ولن يكون غازي زعيتر وزير "حركة آمل" آنذاك بعيداً من المساءلة. لم يستسغ بري كما "حزب الله" إعلان دياب منفرداً اقتراحاً بانتخابات مبكرة من دون تنسيق مسبق معهما او مع "التيار الوطني الحر" وكأنه يحاول تسليف موقف للأميركيين. تقول المعلومات ان "حزب الله" سعى مع دياب للتراجع عن الاستقالة مقابل الغاء الجلسة النيابية لكن بري رفض الغاء الجلسة. الخلاف بين الجانبين انطلق السبت الماضي وفشلت الوساطات في احتوائه حتى أخرج "حزب الله" نفسه من دائرة المساعي تاركاً كل جهة تتحمل مسؤولية افعالها.

هي مسألة كيمياء لم تركب من الاساس بين بري ودياب فكان ان وضعه رئيس المجلس تحت مجهره وبسببه كان الاختلاف في وجهات النظر بين "حزب الله" وبري لم يتم تظهيره الى العلن، لكن بدا واضحاً من خلال تأكيد وزير "حزب الله" عماد حب الله على استمرار الحكومة بالقيام بدورها في وقت كان وزير المال المحسوب على "حركة أمل" غازي وزني مصراً على تقديم استقالته وهدد بإعلانها منفرداً اذا لم تستقل الحكومة. وليس وحده من هدد بالإستقالة فكذلك فعلت وزيرتا العدل ماري كلود نجم والدفاع زينة عكر عدرا وغيرهما بعد أن تأكدوا من استحالة الاستمرار في مثل هذه الاجواء العدائية تجاه الحكومة.

حتى ساعة متأخرة من ليل أمس حاول "حزب الله" ثني الوزراء عن استقالاتهم وفشل. كان الضغط النفسي الذي عاشته غالبيتهم كبيراً فيما رفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الغطاء عن الحكومة ونصب لها مكيدة نيابية. ومنذ ساعات الصباح الاولى كانت الحكومة سقطت وصار اعلان الاستقالة مسألة وقت اراده دياب في المساء بعد ان كان مقررا اعلان استقالته بعد آخر جلسة لمجلس الوزراء.

هذه المرة لم يتمسك "حزب الله" برئيس الحكومة ولم يوفد له من يسأله حتى آخر لحظة العودة عن استقالته، بل كانت محاولات خجولة بعد ان فقد قدرة الدفاع عن حكومة لم تستطع الخروج بإنجاز الى الرأي العام والمجتمع الدولي، لكن المسؤولية لا يتحملها رئيس الحكومة منفرداً بقدر ما يتحملها الفريق الذي أتى به ولم يسانده بالقدر الكافي، بل قاد حكومة لم تكن متجانسة ولو تشكلت من حلفاء.

في اللحظات الاخيرة ابلغ "حزب الله" مراجعيه انه لم يعد متمسكاً بأحد وليعمل كل طرف ما يريده ومن اراد ليراجع بري. هنا انطلق بري مستفيداً من مبادرة ماكرون الذي جاء بتفويض اميركي ووجدها فرصته لإعادة الحريري الى رئاسة الحكومة، وهو أبلغ وفق معلومات موثوقة رئيس "الاشتراكي" وليد جنبلاط صراحة أننا سنكون امام حكومة في غضون خمسة ايام، غير أنّ المعلومات نقلت استمرار الحريري على شروطه القديمة بعدم عودة باسيل للحكومة أو مشاركة "حزب الله"، ما يعني ان عودته ليست بالسهولة الممكنة وقد نكون رجعنا الى المربع الاول، خصوصاً مع استحالة وجود اي شخصية سنية قد ترضى بخوض التجربة لا سيما في ضوء ما عاناه دياب.

طويت صفحة حكومة دياب وبدأت مسيرتها في تصريف الاعمال وقد تم التوافق على عدم التسرع بالدعوة الى استشارات نيابية ملزمة قبل اجراء سلسلة استشارات محلية ودولية واقليمية لتأمين غطاء دولي واقليمي لاي حكومة مقبلة في ضوء مسعى ماكرون الاقتصادي والسياسي.

لكن السؤال هل ستجري مثل هذه المشاورات على وقع الحراك الحاصل في الشارع والمواجهات اليومية بين المتظاهرين والقوى الامنية؟ وهل ستصر القوى السياسية المعارضة على الانتخابات النيابية المبكرة والاستمرار في التحرك الى حين فرط عقد مجلس النواب ودفع رئيس الجمهورية الى الاستقالة، وهو ما تتحسب له القوى السياسية الاخرى التي تتوجس من مشروع فوضى يقود البلد الى وصاية دولية؟ وتتساءل هنا مصادر مسيحية عن موقف البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إزاء طرح الاطاحة برئيس الجمهورية، وما إذا كان لا يزال متمسكاً بحماية موقع الرئاسة الأولى معتبراً المس به خطاً أحمر.

ثمة من يرى مبالغة في التعويل على مبادرة ماكرون والتفاؤل بامكانية تشكيل حكومة بالسرعة التي يتصورها البعض لوجود حسابات مختلفة للقوى السياسية، فضلاً عن معلومة تقول ان رهان بري على عودة الحريري قد لا يكون في مكانه و"حزب الله" سيكون أداؤه مختلفاً هذه المرة، في وقت ليس مضموناً قبول رئيس الجمهورية بعودة الحريري من الأساس.