رواد مسلم

"النصر الكامل" لأوكرانيا بعيد المنال

1 أيار 2024

02 : 00

من آثار القصف الروسي على أوديسا أمس الأوّل (أ ف ب)

تشنّ القوات الروسية منذ أسبوعين هجوماً زاخماً على طول خطّ المواجهة في مقاطعتي دونيتسك وخاركيف، في شرق وشمال شرق أوكرانيا توالياً، وتحقّق فيها نجاحات تكتيكية، أهمّها في المناطق التي تقدّم ميزة تكتية للمهاجم، مثل محاولة السيطرة على بلدة تشاسيف يار التي تقع على مرتفع تكتي يبعد 30 كلم جنوب شرق كراماتورسك، المدينة الرئيسية في المنطقة الخاضعة لسيطرة الجيش الأوكراني، وتعدّ محطة مهمّة للسكك الحديدية والخدمات اللوجستية للجيش الأوكراني.

حصول الجيش الأوكراني على مزيد من الأسلحة السابقة وصواريخ بعيدة المدى مثل «أتاكمس» الأميركية التي طالب بها بإلحاح، لم ولن يُغيّر قواعد الحرب لردع الجيش الروسي، ولم يُقدّم ميزة عسكرية يُمكن بناء خطط هجومية عليها، خصوصاً بعد تمكّن أنظمة الدفاع الجوي الروسية من التصدّي لمعظمها بعد عدّة إصابات دقيقة لأهدافها في القرم، ما يؤكّد مرونة سلاح الدفاع الجوي على تطوير مميّزات أسلحته لصدّ الصواريخ التكتيكية البعيدة المدى.

يُفضّل الجيش الروسي حرب المشاة المدعومة من المدرّعات التي تعتبر مكلفة بشرياً، وهو يُعاود التكتيك نفسه منذ أسبوعين من دون اعتبار الخسائر البشرية عائقاً أمام الهجمات الأرضية، وذلك بعدما تكبّد خسائر فادحة في القوى البشرية والأفراد منذ شباط 2022، حيث قُتل أو جُرح أكثر من 315 ألف جندي روسي في ساحة المعركة (وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية)، من دون تأثير كبير على جودة القوّة القتالية الإجمالية. ومع ذلك، تواصل وزارة الدفاع الروسية الاعتماد بشكل كبير على هجمات المشاة الحاشدة التي تكون خسائرها عالية، وإرسال أعداد كبيرة من الجنود في موجات ضدّ المواقع الأوكرانية بهدف تدمير دفاعاتها.

على الرغم من استمرار ارتفاع عدد الضحايا، تُشير الأدلة على الجبهة إلى أنّ روسيا تتمتّع بقدرة عالية على التعبئة البشرية. في عام 2023، تمكّنت روسيا من الحفاظ على التعبئة من خلال تدفّق مئات الآلاف من المتطوّعين الذين تمّ جذبهم إلى الحرب بسبب رفع الرواتب وتحسين المزايا الاجتماعية. ووفقاً للقيادة الروسية، دخل حوالى 540 ألف جندي الخدمة العسكرية بموجب عقد العام الماضي. ومنذ بداية عام 2024، أفادت التقارير أنّه تمّ تجنيد 50 ألف شخص إضافي للخدمة التعاقدية.

والجدير بالذكر أن هجوم باخموت اعتمد على التفوّق العددي في شنّ هجمات المشاة، حيث تبنّت موسكو تكتيك إنهاك الأوكرانيين واستنزافهم. وعلى الرغم من الخسائر الهائلة في القوى البشرية والأسلحة في مناطق أفدييفكا، باخموت، كوبيانسك، وليمانسك، لا تزال روسيا تحشد قواتها.

الميزة الأخرى، هي حجم الذخيرة الروسية، حيث تنتج روسيا حاليّاً ذخيرة أكثر ممّا تتلقاه أوكرانيا. ومن المقرّر أن تنتج 1.3 مليون طلقة من ذخيرة عيار 152 ملم و800 ألف قذيفة من عيار 122 ملم في عام 2024، وحتى لو أنّ وارداتها من الذخائر من حلفائها، مثل إيران وكوريا الشمالية، غير مستدامة على المدى الطويل، فإنّها تتمتّع بالتفوّق على أوكرانيا. وبشكل أكثر دقة، تتمتّع روسيا بميزة غزارة نيران المدفعية بنسبة تفوق الخمسة أضعاف مقارنة بأوكرانيا في معظم فترات المعركة، ما ألزم كييف على استخدام المسيّرات الصغيرة كبديل للمدفعية.

بشكل عام، تمتلك القوّة العسكرية الروسية موارد تحت تصرّفها أكثر من الجيش الأوكراني، ويُمكنها تعويض الجودة بالكمية المطلقة، بحيث أطلقت عدداً هائلاً من ذخائر المدفعية الضخمة، ولديها عشرات الآلاف من المسيّرات قيد التشغيل، وحشدت أنظمة حرب إلكترونية متعدّدة في الجبهة، وطوّرت دبّابات عمرها عقود من الزمن لسدّ الثغرات في قوّة الدبابات والمركبات المدرّعة الحالية. إنّ مرونة الجيش الروسي في مواجهة خسائر الأفراد والأسلحة قد تمكّن قواته من مواصلة القتال في أوكرانيا لعدد من السنوات، ويُعزّز هذا بشكل خاص، غياب أي ردّ فعل داخلي كبير معارض للحرب من الشعب الروسي.

من الصعب جدّاً على الجيش الأوكراني مواجهة القدرات الروسية من دون شنّ هجوم معاكس يتطلّب أعداداً تفوق ثلاث مرّات الجيش الروسي المدافع في هذه الحال. وفي هذا الهجوم المضاد، تستخدم المشاة كقوّة أساسية في الهجوم، مدعومة من كافة القدرات الباقية، لكن هذه الأعداد من المشاة وحتى الأسلحة، لا يُمكن تأمينها، إلّا في حال دخول جيش دولة حليفة إلى أوكرانيا، تمتلك الخبرة القتالية والتكنولوجية لمواجهة روسيا، مثل الولايات المتحدة، وهذا أمر مستبعد جدّاً، وإن حصل سيُدخلنا في حرب عالمية ثالثة لا يُريدها أحد، خصوصاً الدول الليبرالية الديموقراطية. فهل حان وقت قبول كييف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات طالما أن سعيها إلى تحقيق «نصر كامل» بعيد المنال؟

MISS 3