وليد شقير

وضع اليد الدولية و"حزب الله"

12 آب 2020

02 : 10

إذا لم يحسم الأمر بين خياري حكومة المستقلين وحكومة الوحدة الوطنية، فإن ما يخشاه بعض الفرقاء اللبنانيين وبعض المسؤولين الفرنسيين هو أن يطول الفراغ الحكومي الذي يتمناه بعض من يمسكون ناصية الحكم الآن، فيبقى حسان دياب مدة أخرى، ويستمر من يتحكمون به في المونة عليه لتمرير ما يريدون خلال تصريف الأعمال. وهو أصلاً وصف استقالته الإثنين بأنها تراجع "خطوة إلى الوراء"، كأن به أصبح ماركسياً لينينياً، وعلى مبدأ لينين، يحضّر نفسه كي يخطو "خطوتين إلى الأمام"، أي البقاء على كرسي الرئاسة الثالثة. لا يمكن لنموذج من هذه الطينة إلا أن يحلم بالعودة إلى هذا الكرسي معتقداً أنه المنقذ، أو بأن يبقى طويلاً في تصريف الأعمال وإلى جانبه جيش المستشارين.

المرحلة الجديدة التي دخلها البلد بعد 4 آب تتأرجح بين التوصل إلى ستاتيكو برعاية دولية ريثما تسمح تطورات خارجية باتضاح المعادلة الداخلية في لبنان، وهذا يحتاج إلى اجتراح معادلة للحكم تسمح بتحييده عن صراعات المنطقة، وبين أن يبقى غارقاً في الفراغ. لكن ما يعيشه البلد من مأساة جراء الكارثة التي حلت ببيروت والمرفأ لا يستطيع الانتظار. وسواء تشكلت الحكومة البديلة التي تحتاج ولادتها إلى تذليل الكثير من العقبات، استناداً إلى مبدأ حكومة وحدة وطنية أم حكومة مستقلين أو حياديين، فإن لا بديل عن وضع اليد الدولية على لبنان لمراقبة شؤونه وتدبير حاجات الناس فيه. والخلاف على شكل الحكومة البديلة ما زال قائماً بين قوى المعارضة التي تعتبر أن فرصة التبديل الحكومي يجب أن تأخذ البلد إلى حكومة حيادية، وبين قوى الأكثرية التي تصر على حكومة "جامعة" كما جاء في بيان كتلة "التنمية والتحرير" برئاسة الرئيس نبيه بري أمس.

الحملات الإغاثية الدولية والعربية الملحة لمئات الآلاف من المشردين، والمتضررين الذين أفقرتهم الأزمة الاقتصادية المالية وزادتهم مأساة الانفجار الزلزالي فقراً وتعاسة، ستتم بمعزل عن أي حكومة ستأتي. والمبالغ المقررة في مؤتمر باريس الأحد الماضي (296 مليون دولار) كمساعدات إنسانية أو لإعادة إعمار ما تهدم في أحياء واسعة من بيروت ستزداد أرقامها في قابل الأيام، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية. وستبقى تحت الإشراف الدولي والعربي، حيث ستتوزع الدول المهمات وعمليات البناء، إما بتقسيم الأحياء بين بعضها البعض أو بإيكال الأمر إلى منظمات غير حكومية، تحت إشراف الأمم المتحدة والبنك الدولي، ومن دون دخول فلس من الأموال إلى خزينة الدولة خشية ذهاب بعضها إلى خزنات السياسيين المقاولين.

من الطبيعي أن يواكب الإشراف الدولي على إعادة الإعمار، إشراف دولي على المعادلة السياسية التي ستتحكم بلبنان. فالحكومة إذا تشكلت ستكون نتيجة توافق دولي إقليمي وليس بسبب التوافق الداخلي، الذي يحول دونه استمرار "حزب الله" في اعتماد لبنان ساحة للتفاوض من قبل إيران مع الدول الغربية والولايات المتحدة.

وإذا كان "حزب الله" سلم بذهاب الحكومة التي تحكم بها، وكان ذلك تسليماً منه بعجزه عن إدارة أزمة البلد، فإن إيحاءه بإمكان التعايش مع وضع اليد الدولية على صرف أموال المساعدات، قد لا يقابله تعايش مع وضع اليد الدولية على تركيب حكومته. وإذا أبدى ليونة حيال دور فرنسا وتفويضها من أميركا فإنه سيسعى إلى تكبيل الحكومة من داخلها، كالسابق، إلا إذا حصل هو الآخر على تفويض من إيران بشيء من المهادنة.