جاد حداد

Signs... مختلف على جميع المستويات!

14 آب 2020

02 : 00

في فيلم Signs (إشارات) للمخرج مانوج نايت شيامالان، يؤدي ميل غيبسون دور الأب "غراهام هيس" الذي يعيش في مزرعة في منطقة "باكس كاونتي"، بنسلفانيا. لن نكتشف أنه كاهن إلا في مرحلة متقدمة من الفيلم، حين يدعوه شخص آخر بكلمة "أب" فيجيبه بأنه لم يعد كاهناً. بما أنه أب لولدَين، قد نحتاج إلى بعض الوقت كي نستوعب أنه ينتمي على الأرجح إلى الكنيسة الأسقفية الأميركية. لا أهمية لذلك في مطلق الأحوال لأنه تخلى عن إيمانه. ينكشف ما أصابه في منتصف الفيلم ويتعلق السبب بمأساة شخصية.

يقيم "هيس" في المزرعة مع شقيقه "ميريل" (يواكيم فينيكس) وولدَيه "مورغان" (روري كولكين) و"بو" (أبيغايل بريسلين). يشمل المكان منزلاً ريفياً تقليدياً وحظيرة وحقول ذرة شاسعة، ويسهل أن نشعر منذ اللقطة الأولى بوجود خطبٍ ما هناك. يعيش "هيس" مع قلق دائم وتبدو الرياح من حوله غريبة. تنبح الكلاب بلا سبب وتنذر جميع المؤشرات بأن الوضع ليس على ما يرام. لا تفسّر دوائر المحاصيل هذه المشاعر الطاغية بل إنها تؤججها. سرعان ما يشاهد "هيس" ظاهرة غريبة في أحد حقول الذرة ويتأكد من وجود خطبٍ ما.





يستعمل الفيلم نشرات الأخبار التلفزيونية لنقل أحداث العالم، لكنها لا تقتصر على نشرات "سي إن إن" الاعتيادية بل تعرض مواد أخرى خدمةً للحبكة. تكشف أصوات المذيعين عن مشاعر الارتباك والخوف. ويشمل أحد الفيديوهات المصوّرة في حفل عيد ميلاد لمحة عن أخطر الظواهر على الإطلاق، فيقول "مورغان": "تاريخ العالم المستقبلي يُعرَض على التلفزيون في هذه اللحظة"!

فيما تساوي هوليوود بين قيمة الأفلام ومشاهد الحركة فيها، يقدم شيامالان أفلاماً هادئة. وفيما أصبحت مشاهد الحركة المتلاحقة أسلوباً بحد ذاته، يقنعنا المخرج هذه المرة بضرورة التنبه إلى أصغر التفاصيل. في فيلم The Sixth Sense (الحاسة السادسة) من العام 1999، طرح شيامالان قصة أشباح بدت حتى اللحظة الأخيرة مجرّد دراما شخصية مع أن العمل شمل تلميحات ضمنية تجعل المشاهدين يشكّون بأن كل ما يُعرَض أمامهم ليس حقيقياً. وفي فيلم Unbreakable (غير قابل للكسر) من العام 2000، قدّم مبارزة نفسية بين رجلَين: كانت القصة مقنعة لكننا نكتشف لاحقاً طبيعتها المفاجئة وتتخذ جميع الأحداث معنىً مختلفاً.

في فيلم Signs، يقوم شيامالان بما يحب هيتشكوك فعله، فيتلاعب بالجمهور لأقصى حد. الحبكة بسيطة لكنّ الشخصيات أعمق ما يكون وهي محاطة بمخاطر كبرى. يكون احتمال وجود الكائنات الفضائية جزءاً من دوافع الخوف، لكن لا تحتاج هذه العائلة إلى أي دوافع مماثلة لأنها تعرّضت أصلاً لحادثة موجعة.

بدل استعمال مؤثرات خاصة مبهرجة، يبتكر شيامالان عالمه انطلاقاً من عناصر يومية عادية. يرصد جهاز مراقبة الأطفال مثلاً أصواتاً غريبة، وتكون "بو" معتادة على ترك أكواب ماء غير مكتملة في كل مكان، ويخطر على بال "مورغان" فكرة لامعة مفادها أن القبعات المصنوعة من ورق الألمنيوم تحمي أدمغتهم من موجات الكائنات الفضائية، ولا يستعمل "هيس" سكيناً لامعاً كسلاح بل كمرآة. وفي مشهد لافت من الفيلم، تصيب نوبة الربو "مورغان"، فيحاول والده التكلم معه لمساعدته على تجاوزها. يبدو هذا المشهد منفصلاً عن بقية الفيلم ويحمل سياقاً خاصاً به وحده.

في نهاية الفيلم، لا مفر من أن نبتسم حين ندرك أن شيامالان تخلى عن النهايات المُرضِية والمألوفة. هو يعرف جيداً أن المكافآت في نهاية الأفلام أصبحت مملة. باتت الحلول التلقائية للمشاكل اعتيادية في نهاية جميع الأعمال ووحده تراكم الأحداث يجذب انتباهنا. لكنّ فيلم Signs هو عبارة عن تراكمات متلاحقة، حتى أن صداه يستمر بعد انتهائه.


MISS 3