تيد نوردهاوس

طاقة الرياح والطاقة الشمسية...حلّ للتغير المناخي؟

9 أيار 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

في العام 2015، اعتبر خبير الاقتصاد البريطاني نيكولاس ستيرن أن سبب فائض انبعاثات الكربون لا يقتصر على فشل واحد في السوق (أي عدم احتواء أسعار الوقود الأحفوري على التكاليف البيئية والاجتماعية لحرق ذلك الوقود)، بل إنه يشمل ستة إخفاقات. هو يذكرها في كتابه Why Are We Waiting? The Logic, Urgency, and Promise of Tackling Climate Change (ما سبب انتظارنا؟ منطق ووعود معالجة التغير المناخي والحاجة الملحّة إليها)، وتتعارض أفكاره مع المقاربة السائدة لتسعير الكربون: وفق هذه الفرضية، يكفي أن نحدد السعر المناسب للكربون كي تتوصل الأطراف الناشطة في السوق إلى أفضل الحلول من دون الحاجة إلى اختيار الفائزين في مجال التكنولوجيا النظيفة، أو تصميم خطط تنظيمية معقدة، أو إدارة العملية الانتقالية بطريقة دقيقة.



يستحق ستيرن الإشادة لأنه شخّص إخفاقات عدة في السوق، إذ يعكس رأيه اعترافاً باستحالة حل مشكلة التغير المناخي بهذه الطريقة البسيطة والمنمّقة. لكن كانت مقاربته عقائدية بطبيعتها. وفق النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة، ينتج السوق الفاعل دوماً كمية مثالية من السلع المرغوب فيها مقابل سعر مثالي. وينجم فشل هذه العملية عن تشوّه الأسعار لسبب معيّن. يقضي الحل إذاً باكتشاف مكامن ذلك التشوّه، وفرض أسعار مناسبة، والسماح للسوق بطرح كمية مثالية من السلع المرغوب فيها، أي الطاقة النظيفة في هذه الحالة.

لكن عند التطرق إلى ست إخفاقات في السوق بدل الإشارة إلى فشل واحد، لا مفر من التساؤل عن صوابية اعتبار فشل السوق أفضل إطار للتعامل مع المشكلة. كانت نظرة ستيرن إلى إخفاقات السوق ضرورية لإبقاء الأسواق في صلب السياسة المناخية.

إنها النقطة التي ينطلق منها بريت كريستوفرز في كتابه الجديد The Price Is Wrong: Why Capitalism Won’t Save the Planet (السعر خاطئ: الرأسمالية لن تنقذ الكوكب). كريستوفرز عالِم جغرافيا في جامعة «أوبسالا» السويدية، وهو لا يعتبر تحديد الأسعار المناسبة كافياً لتطوير الطاقة المتجددة سريعاً. برأيه، تبرز الحاجة إلى تطبيق مقاربة أكثر صرامة، على أن تشمل ضمانات حكومية للأسعار، أو حتى ملكية عامة لتوليد الكهرباء وتوزيعها. يبدو الكتاب مقنعاً أحياناً حين يفترض أن الخطط النيوليبرالية لإزالة القيود التنظيمية عن أسواق الكهرباء قد تُضعِف جهود كبح التغير المناخي. لكن يثبت كريستوفرز عن غير قصد أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية لن تُسهّلا وحدهما إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.

ينسب كريستوفرز انتقال العالم إلى تحرير أنظمة الكهرباء في آخر ثلاثة عقود إلى نشوء تحالف بحكم الواقع بين القوى النيوليبرالية المزعومة وداعمي الطاقة المتجددة الذين يتوقعون أن تتفوّق مصادر هذه الطاقة على الوقود الأحفوري، وهو توقّع خاطئ. لكن يدعو داعمو الطاقة المتجددة ومطوّروها منذ فترة طويلة إلى إنشاء أسواق كهرباء تنافسية بالجملة لسبب آخر: يؤدي فصل توليد الطاقة عن بيعها وتوزيعها إلى فصل كلفة إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية عن كلفة تشغيل نظام الكهرباء الذي يُفترض أن يزوّد المستخدمين النهائيين بالطاقة عند الحاجة، وبغض النظر عن سطوع الشمس أو هبوب الرياح.

برأي كريستوفرز، لا أحد يستطيع جني المال من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، رغم تراجع كلفة تركيبها، من دون دعم حكومي متواصل. لن تكون الإعانات التقليدية كافية، علماً أنها تحصل في أماكن مثل الولايات المتحدة عن طريق الاستثمارات أو إنتاج اعتمادات ضريبية تضمن تخفيض كلفة بناء محطات توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية. هو يفترض أن متابعة نشر الطاقة المتجددة تتطلب ضمان أرباح معينة لمطوّري الطاقة المتجددة.

لن تكون هذه التدابير مؤقتة، ما يعني أن تتلاشى حين يصبح بناء الطاقة المتجددة في أقل مستوياته. لتحفيز المصممين على متابعة بناء منشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، حتى لو كانوا لا يجنون المال من هذه المشاريع إذا كان السوق يُحدد سعر الطاقة، يقضي الحل الوحيد إذاً بمنحهم أرباحاً متواصلة. كان نظام المرافق القديم يمنح المنشآت ربحاً مقابل تزويد المستخدمين النهائيين بالكهرباء عند الحاجة، لكن يظن كريستوفرز أن حل مشكلة التغير المناخي يتطلب منح الأرباح لمطوّري الطاقة المتجددة لتأمين الطاقة حين لا يحتاج إليها المستخدمون.

لكن تبدو نزعة كريستوفرز إلى تسليع الطاقة المتجددة باعتبارها الطريقة الوحيدة لحل أزمة التغير المناخي ضيقة بقدر نزعة ستيرن إلى تسليع الأسعار وفشل السوق. رغم وفرة النقاشات عن حدود السوق وضرورة توسيع نطاق تدخّل الدولة، تبقى عبارة «تخطيط الدولة» أو ما يعادلها شبه غائبة على مر 400 صفحة من كتاب كريستوفرز. إذا كانت الأسواق والأسعار نعمة العالم النيوليبرالي، سيكون التخطيط المركزي نقمته. في الوقت نفسه، يُفترض أن ينشغل كل من يشعر بالقلق من فشل الأسواق بما يستطيع التخطيط تحقيقه.

يطرح كريستوفرز بعض الأمثلة، منها خطط الصين لبناء منشآت حكومية ضخمة للطاقة المتجددة في «صحراء غوبي» لتلبية الطلب المتسارع على الكهرباء. لكنه يناقش تفاصيل تلك الخطط من دون الإشارة إلى نظام الكهرباء الذي تخطط له الدولة الصينية بطريقة متكاملة. تدعم الصين طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكنها تبني محطات للطاقة النووية أيضاً. تفكر الصين بالتطورات على المدى الطويل، لذا قررت تصميم معظم أسطولها الجديد من محطات الطاقة العاملة بالفحم بطريقة تسمح لها بتركيب جيل جديد من المفاعلات النووية الصغيرة والمعيارية في تلك المحطات مستقبلاً بهدف استبدال غلايات البخار العاملة بالفحم.

لكن يخلو الكتاب من أفضل نموذج لمشاريع الكهرباء قليلة الكربون التي تقودها الدولة: قاومت فرنسا المخاوف من إزالة القيود خلال الثمانينات والتسعينات، وقررت بناء نظام كهرباء مملوك للدولة ومبني على تخطيط مركزي وعامل بالطاقة النووية بدل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. نسمع كثيراً أن بناء الطاقة النووية يبقى أعلى كلفة بكثير من النوعَين الآخرَين. لكن يدوم هذا النوع من شبكات الطاقة النظيفة لمدة تتراوح بين 60 و80 سنة بعد بنائه. وفي نظام كهرباء تُموّله الدولة وتُخطط له بنفسها، يمكن تخفيض تلك التكاليف على مر عقود عدة.

نتيجةً لذلك، حققت فرنسا أدنى مستويات كثافة الكربون مقارنةً بالاقتصادات الكبرى الأخرى في العالم، إذ تُعتبر أسعار الكهرباء فيها من بين الأدنى مستوى في أوروبا. من وجهة نظر كريستوفرز، تعترض القوى النيوليبرالية المزعومة على هذا النوع من المشاريع. لكن بالنسبة إلى كتاب يطرح نفسه كأداة تصحيحية، يبدو غياب بعض النماذج البارزة لافتاً. تبقى فرنسا أفضل نموذج يدعو إلى اعتبار الكهرباء الوافرة والرخيصة وقليلة الكربون جزءاً من الأملاك العامة بدل أن تدخل في خانة السلع المطروحة في السوق. مع ذلك، لا يتطرق كريستوفرز إلى هذا المثال مطلقاً.

في النهاية، قد يكون كريستوفرز محقاً حين يذكر أن شبح تحرير سوق الكهرباء لن يعود إلى الاختفاء في أماكن كثيرة. في الوقت نفسه، لن يتخلى العالم على الأرجح عن طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية في أي وقت قريب. كذلك، من المستبعد أن يظهر حل يناسب جميع الأطراف. لا يسهل نشر ثقة فرنسا بالمؤسسات المركزية والتكنوقراطية وتفضيلها للطاقة الذرية في كل مكان.

على صعيد آخر، يبدو كريستوفرز محقاً حين يكتب أن مشروع تحرير أنظمة الكهرباء لتحويل كلفة الحصص المتزايدة من الطاقة المتجددة إلى مصادر خارجية قد يُخفّض المنافع المتوقعة على مستوى إزالة الكربون، تزامناً مع زيادة التكاليف المترتبة على دافعي الضرائب والرسوم المحلية (مع أنه لا يذكر هذه الفكرة بأسلوب مباشر).

عاجلاً أو آجلاً، ستحتاج أنظمة الكهرباء قليلة الكربون إلى كميات كبيرة من مواد مختلفة عن طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية لبلوغ مستويات هائلة من إزالة الكربون. في الوقت الراهن، تبقى الطاقة النووية الخيار التجاري المثبت الوحيد في هذا المجال، وتُعتبر الطاقة المائية الإلكترونية خياراً محتملاً في عدد محدود من الأماكن. كذلك، لا تسمح الأسواق التنافسية التي تشمل حصصاً متزايدة من مصادر الطاقة المتقطعة بإضعاف الطابع الاقتصادي لمصادر الطاقة المتجددة فحسب، بل إنها تجعل تشغيل المحطات النووية التقليدية التي ترتكز على العمل المتواصل خياراً مستحيلاً من الناحية الاقتصادية.

أخيراً، لا يسهل التوصل إلى التوازن المناسب بين طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية ومصادر أخرى للطاقة قليلة الكربون، أو بين أنظمة الكهرباء قليلة الكربون ومنخفضة الكلفة، أو بين الأسواق الخاصة، والمنافسة، والابتكار، والبنى التحتية العامة. لكن ثمة أمر مؤكد واحد: إذا أراد صانعو السياسة إنشاء أنظمة كهرباء قليلة الكربون وجديرة بالثقة، يجب أن يخططوا لها ويستثمروا موارد عامة في مشاريع مختلفة عن الطاقة المتجددة والمتقطعة قبل بلوغ تلك المرحلة. بعبارة أخرى، لن يتغير هذا الوضع عبر تحديد الأسعار المناسبة كما قال ستيرن، أو عبر تجاهل تأثيرها على قيمة الطاقة المتجددة كما يظن كريستوفرز.




MISS 3