جورج شبلي

إِحياء الجبهة اللبنانية ضرورة مصيريّة

10 أيار 2024

02 : 00

أقترح عنواناً لِما يسحقنا، هو النّكبة التي تغسل خدّ الوطن بالدمّ. إنّ كَبِد لبنان يتمزّق، وفؤاده يتفتّت، وبحره يتلقّف شبابه ليلفظهم على أرصفة الرّزق المظلمة، يصارعون دنيا السّلاسل لينالوا إجازة في الكدر، ومنه. إنّ الأمل في لبنان صدمة عنيفة، خان أنموذج الإبن الشّاطر وبقي ضالاً، فمنبت شوقه شوك، وناسه بابل، وطموحه تراب.

أقترح أسلوب التّكاشف، والجرأة، والصّراحة، وعقلانيّة جلاء الحقائق التي وُجِدت لتُدرَك، حيث لا يبقى مجال للغموض، والرّيب، لننتقل إلى مقاربة مناقبيّة لمستقبل يوافق الأفضل، ما يُرجِع إلى الحياة بهاءها، وإلى البلاد صفاءها، وإلى الإنسان كرامته. من هنا، لا بدّ من إعادة إحياء الجبهة اللبنانيّة التي، بها، يتجوهر الوطن، وذلك، بروح المسؤوليّة التي تجسّدها الإرادة الحرّة، والإلتزام بوصايا السيادة والحريّة، وهي مجموعة القواعد والمعايير التي يُثَبَّت صلاح الوطن بسلاحها.

كما أنّ العقل، وحده، يساعدنا في ارتقاء سلَّم القيم، فإنّ إحياء الجبهة اللبنانيّة، وحده، يقود لبنان إلى ارتقاء حقيقة حضوره السياديّ. ولا أبالغ حين أُشير إلى أنّ ماضي الجبهة اللبنانيّة كان أصيلاً في موضوع الوطنيّة، حاكته شخصيّات نبيهة، نبيلة، قادرة، إنجازاتها لا تشيخ. ولعلّ من المفيد، العودة إلى كتابها القَيّم في حقل المواقف التي ما اعتراها غموض، أو تهاون، أو رماديّة، في قضايا الكيان، والهويّة، والمصير، كما في الإلتزام بالعنفوان صوناً للكرامة، ومجابهة لمَن تآمر على الوطن، عميلاً للغريب.

إذا كان من أساسيّات مقاربة التّاريخ، فعل غربلة الأحداث، للإبقاء على المفيد منها، للإتّعاظ، علينا ألّا نُسقِط كلمة واحدة من تجربة الجبهة اللبنانيّة، فنتبنّى قوامها، خصوصاً وأنّ الظّروف تعيد نفسها، خطراً، وكوابيس، في حياة شعب يُقهَر، وتُقمَع حريّته، ويُزَجّ به في أتون حرب لا ناقة له بها. من هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى إحياء الجبهة اللبنانيّة، وبفاعليّة، وهذا الأمر ليس للمناقشة، والتلهّي، بِقَدر ما هو واجب إلزاميّ يُرغِم جماعة النّقاء الوطنيّ على التّلاقي السّريع، خدمةً لقضيّة الوطن، وشعبه، ومستقبل أجياله.

لسنا بحاجة إلى لَهجات خطابيّة، وإلى مقالات تكرّر قوالب شعبويّة ركيكة، بل إلى موقف طالع من أعماق الوجدان الوطنيّ، وعنفوان الكرامة الحادّ، ليَكسر أنياب الوحش، وأظفاره، توقاً إلى التحرّر، وربّما إلى الثّورة، فالناس يعدّون أيّامهم الذّابلة عبئاً فوق عبء، وقيداً يُغرِز في لحمهم المُحَنَّط همّاً يهلل أملهم، ويرسي في ذواتهم إحباطاً يسوقهم إلى اليأس القاتل.

لسنا بحاجة إلى هيئة صُوَريّة يقصدها أركانها للتّباهي، والشّوفانيّة، وقَوطَبة بعضهم على البعض الآخر، بل إلى أُناس يرتبطون بوحدة، ويهندِسون مساراً واضحاً، يخاطِب الكثرة ويتّصل بها، بأداء الأفعال القادرة على تَرك أقوى صدًى، في الدّاخل والخارج، وهزّ أوصال المتغطرسين بالقوّة، والجاثمين على صدر البلاد، ترهيباً، وقهراً، وسيطرةً على القرار، وتطاولاً على الدّستور، مُقحِمين البلاد في حرب تأتي على الحجر والبشر، ومُنتَهِجين العمالة لتحويل الكيان مستعمَرةً ينتدبها الغريب.

إنّنا بحاجة إلى إحياء مواجهة لا تَخَبُّط فيها، بحيث لا يخسر النّسر معركته مع الثّعبان، فالغياب عن السّاحة إِثم، والصّمت ليل ثقيل يتخبّط فيه الشّعب الكسيح، بانتظار مُخلِّصين يحوّلون واقعه من مصدر يأس إلى حالة خلاص. إنّ حالة الجبهة اللبنانيّة هي حالة نشاط يحيي روح الحقّ، ويعيد الأمل إلى تطلّعات النّاس الذين يتلمّسون الأفضل بعد أزمة طَحنَتهم، ولمّا تزل. لذا، على الجبهة اللبنانيّة العتيدة أن تكون تيّاراً شعبيّاً في نَسَق جديد يُنجِز نقلةً من البكاء إلى الرّجاء، ومن التّشرّذم إلى التوحّد، وبالتالي، يتوجّه إلى روح المواجهة، بريادةٍ، وصلابةٍ، وتصميمٍ، وبمشاركة الجميع، كلِّ الجميع...

إنّ طَرح إحياء الجبهة اللبنانيّة هو فرصة وليس حلماً.

MISS 3