يتمحور فيلم Dancing on Glass (الرقص على الزجاج) حول الباليه ومن يقدمون هذا النوع من العروض الراقصة بأعلى مستويات الاحتراف. تعتبر شركة الإنتاج الإسبانية المسؤولة عن هذه العروض نفسها الأفضل في مجالها، وترأسها المديرة التقليدية والمخضرمة «نورما» (مونا مارتينيز). هي تعتبر العروض الفنية أهم ما في الحياة، وتبدي استعدادها لبذل جميع الجهود اللازمة لتقديم عرض مسرحي رفيع المستوى بقيادة راقصة الباليه التي تختارها. إنها تجربة مليئة بالمشاكل ومدمّرة نفسياً. يبدو المدرّبون والمرشدون مقتنعين بأنها الطريقة الوحيدة لتقديم أفضل أداء ممكن. لكن ما هي كلفة هذه التحضيرات المكثفة؟
تنتحر «ماريا»، راقصة الباليه الرئيسية في العرض الراقص «جيزيل»، خلال زيارتها الأخيرة إلى الولايات المتحدة. يطغى الغموض على أسباب موتها في بلدها الأم إسبانيا. ثم تصبح «إيرين» (ماريا بيدرازا) بديلة غير متوقعة عنها، فيقع عليها الاختيار كراقصة أساسية في العرض ويثير هذا القرار دهشة معظم أعضاء الفريق. في المقابل، تتعرض «روث» للتجاهل، مع أن الجميع توقّع اختيارها. سرعان ما تبدأ متطلبات العرض بالتأثير على «إيرين» جسدياً ونفسياً، حتى أنها تتقرّب من زميلتها الراقصة المترددة «أورورا» (باولا لوسادا) بحثاً عن المواساة.
تصبح «أورورا» بعد فترة قصيرة الملاذ الآمن الوحيد بالنسبة إلى «إيرين» التي تتعامل مع مضايقات «نورما» المتواصلة، وحسد زملائها في كل مكان، وعدم تفهّم عائلتها للمخاطر المطروحة. في غضون ذلك، تواجه «أورورا» مشكلة خاصة بها، إذ تحمل والدتها، راقصة الباليه السابقة، طموحات تريد تحقيقها عبر ابنتها لأنها عجزت عن بلوغ تلك الأهداف بنفسها. تبدو «إيرين» و»أورورا» شخصيتَين متناقضتَين وهذا ما يفسّر التفاهم بينهما: تكون الفتاة الأولى منفتحة على الحياة، بينما تبدو الثانية منغلقة على نفسها. تدرك الفتاتان المخاطر المرافقة لهذه المهنة المتطلبة. هما تتقاسمان أعلى درجات التعقيدات والأحداث المشحونة. تُعلّم «أورورا» صديقتها حيلة معيّنة للرقص من دون ضغوط، فتطلب منها الانفصال بالكامل عن العالم الخارجي، وتعطي هذه التقنية أفضل النتائج معها.
يتطرق الفيلم إلى مجموعة معقدة من المواضيع التي تستحق التأمّل. سنشاهد مدرّبين متسلطين وهم يبالغون في توجيهاتهم لانتزاع أفضل أداء من المتدربين، بالإضافة إلى أهالي لجوجين يعيشون أحلامهم غير المحققة عبر استغلال أولادهم. ستكون الصداقات الجانب السعيد الوحيد في هذه القصة رغم قلّتها، لكن يتعلق الموضوع الأكثر تأثيراً بالتضحية الفردية اللازمة لتقديم العروض الفنية بأعلى مستوى ممكن. يستعمل صانعو العمل جميع أنواع التدريبات المكثفة وحصص الباليه الروتينية الساحرة (بالإضافة إلى أنظمة غير صحية للتحكم بالوزن) لطرح أعمق سؤال على الإطلاق: هل تستحق النتيجة العناء؟ تضفي ماريا بيدرازا وباولا لوسادا خليطاً من العمق والضعف على دورَيهما.
تختلف التحديات التي تواجهها الشخصيات، لكنها تُكَمّل بعضها بفضل التفاهم الذي يجمعها. تعتبر «نورما» هذه العلاقة الوثيقة بين الصديقتَين مصدر إلهاء ومحاولة لعزل الراقصة النجمة بحجّة حمايتها. يتّضح أداء مونا مارتينز القوي والبارد في مشهد بارز حيث تواجه شخصيتها والدة «إيرين» الغاضبة. تظن هذه الأخيرة أن أساليب «نورما» المتطرفة تدمّر ابنتها بالشكل الذي دمّر «ماريا» سابقاً. لكن تقول لها «نورما» بكل برود وقوة: «ابنتك تعرفني منذ أول يوم على لقائنا. الشركة كلها تعرفني. هذا ما يجعلهم يقدمون كل ما لديهم للمشاركة في هذا العرض. هم يعرفون أننا نحسّن أداءهم في هذا المكان. يجب أن يتحول الفن إلى هوس حقيقي، وإلا لا يمكن تسميته فناً... سيكون مجرّد عمل ترفيهي، ونحن لا نتواجد هنا للترفيه عن أحد. القرود في حديقة الحيوانات تُرفّه عن الناس».
هذا الحوار البسيط يكشف كل ما يجب أن نعرفه عنها كمدرّبة ويؤكد على المعايير التي تطمح للوصول إليها. هي شخصية مرعبة لأقصى حد ولا تقبل التنازل لأي سبب. قد لا تضاهي شخصيتها العدائية الرعب الذي أثاره «تيرانس فليتشر» (جي كي سيمونز) في فيلم Whiplash (السوط)، لكنها تعطي انطباعاً قوياً جداً. بغض النظر عن صحة الأساليب المعتمدة، تتعدد الأسئلة العميقة التي ستبقى محط جدل إلى الأبد: إلى أي حد يكون الفرد مستعداً للضغط على نفسه في سبيل الفن؟ وما مدى استعداده لتقديم التنازلات من أجل الاقتراب من الكمال؟
يطرح الفيلم هذه الأسئلة بطريقة منطقية وواقعية ويجبر المشاهدين على التفكير بوضع عالم الفن. يستحق العمل الإشادة بفضل هذه الجوانب بالذات.