ضَرَب «السباق الماراتوني» إلى البيت الأبيض موعدَين مع «مبارتَي ملاكمة» على الهواء مباشرة بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، اللذَين وافقا على إجراء مناظرتَين كان ينتظرهما الأميركيون وجميع المتابعين في كلّ أرجاء المعمورة، الأولى ستُنظّمها شبكة «سي أن أن» في 27 حزيران، والثانية ستستضيفها قناة «آي بي سي» في 10 أيلول، قبل موعد «العرس الديموقراطي» المُقرّر في 5 تشرين الثاني.
صحيح أنّ غالبية الأميركيين لم تكن متحمّسة لـ»مباراة ثانية» بين بايدن وترامب، لكن الغريمَين «احتكرا» ترشيح حزبَيهما وسيخوضان «المنازلة» بينهما، طبعاً إذا لم تطرأ أي «ظروف قاهرة» تحول دون ذلك مستقبلاً. يتسلّح كلّ من بايدن وترامب بمجموعة من «السهام السياسية»، اعتادا إطلاقها في اتجاه بعضهما البعض لضرب صورة الخصم أمام الرأي العام وتحسين أرقام «الحسابات الرئاسية».
بايدن في موقف لا يُحسد عليه إطلاقاً، فهو الرئيس الذي تشهد بلاده ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات تُثقل كاهل دافعي الضرائب غير الراضين عن الحالة الاقتصادية للبلاد، على الرغم من أنّ الاقتصاد الأميركي يوفّر فرص عمل شهريّاً، فضلاً عن أنّ بايدن يبدو بمرور الأيّام أكثر ضعفاً جسديّاً وذهنيّاً، ما يجعله غير قادر على ممارسة مهماته بسلاسة ويدفع فريقه إلى تركيز جهوده على اتخاذ كلّ الإجراءات اللوجستية اللازمة لـ»حجب العورات» التي تزداد اتساعاً مع الوقت. والمناظرتان قد تُسقطان بايدن في «التجربة» وارتكاب الأخطاء وربّما «الخطايا القاتلة».
وبالإضافة إلى كبر سنّ بايدن (81 عاماً) الظاهر عليه، فإنّ الناخب الأميركي الذي سيمنحه صوته، يكون وكأنّه يقترع لنائبته كامالا هاريس لتولّي منصب الرئاسة، مع ارتفاع إمكانية حصول أي «طارئ صحّي» لبايدن يمنعه من أداء واجبه. وهاريس لا تتمتّع بالحدّ الأدنى من «الكاريزما» المطلوبة وتُعتبر شخصية سياسية ضعيفة جدّاً وغير محبوبة شعبيّاً، ما يجعلها عبئاً انتخابيّاً على بايدن أكثر منها «ورقة رابحة»، في وقت يترقّب الجميع خيار ترامب لمنصب نائب الرئيس وثقله وأبعاده.
سيستغلّ ترامب كلّ نقاط الضعف الآنفة الذكر خلال المناظرتَين وسيُكثّف الإضاءة عليها. وسيذهب المرشّح الجمهوري إلى «ملعبه» المفضّل، حيث سيُصوّب على خصمه الديموقراطي من باب الاقتصاد والهجرة والجريمة، بينما سيُحاول بايدن تفادي «الغرق» في رمال «الدفاع الاستنزافي» المتحرّكة، واتخاذ منحى هجوميّاً من خلال الإشارة إلى محاكمة ترامب الجنائية في مانهاتن، إضافةً إلى متاعب مرشّح المحافظين القانونية وقضاياه الجنائية الأخرى، وسيُعرّج «جو المحتال»، كما يحلو لترامب وصفه، على أحداث 6 كانون الثاني 2021، وسيعمل على اغتنام ملف «الحقّ في الإجهاض» لمصلحته.
كما سيُكرّر بايدن تباهيه بأنّه «وفّر» ملايين الوظائف التي «فَقَدها» ترامب في عهده، علماً أنّ هذه النقطة بالذات، المُفضّلة لدى حملة بايدن، ليست «حجّة صلبة»، وترويجها لم يعطِ المفعول المرتجى منه في أوساط الأميركيين «المُستهدفين» الذين بسوادهم الأعظم يعرفون أنّ حركة «المدّ والجزر» في هذه الوظائف مرتبطة مباشرة بتفشّي جائحة «كوفيد» وإغلاق الاقتصاد وإعادة فتحه. ويرى محلّلون أنّ حديث بايدن وحملته عن توفير 15 مليون وظيفة معلومة صحيحة تُستخدم كـ»كذبة» سمجة خارج سياقها الطبيعي، مشيرين إلى أنّ ذاكرة الناس ليست قصيرة إلى هذا الحدّ، وهم يثقون بترامب أكثر من بايدن في ما يتعلّق بالاقتصاد.
بالتأكيد سيحرص ترامب على تسجيل «أهداف سهلة» داخل مرمى بايدن «المفتوح»، في الملف الاقتصادي الحسّاس والأخطار الوجودية التي يطرحها التدفّق الفوضوي للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية «المُشرّعة» مع المكسيك وارتفاع معدّلات الجرائم في «المدن الديموقراطية»، إلّا أنّه سيعمد أيضاً إلى تحميل بايدن المسؤولية عن الأزمات والحروب حول العالم، ولا سيّما في أوكرانيا وغزة، واحتمال أن تتسبّب مقاربته الخارجية الضعيفة بحرب عالمية ثالثة، فيما سيُعيد ترامب التشديد على أنّه سيمنع اندلاع حرب عالمية إذا ما جلس من جديد في المكتب البيضوي، وسيُنهي الحروب التي ما كانت لتندلع أصلاً لو كان رئيساً، كما صرّح مراراً.
«المباراة» الأولى ستجرى في أتلانتا بولاية جورجيا التي غدت «ولاية متأرجحة» إلى جانب كلّ من بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن وأريزونا ونيفادا، حيث تُشير استطلاعات الرأي إلى تقدّم ترامب بفضل تحسّن أرقامه نسبيّاً في صفوف اللاتين والسود، أو إلى منافسة متقاربة، لكن ما زال الوقت باكراً لحسم النتائج حاليّاً، والأرقام عرضة للتبدّل بفعل العوامل والمعطيات المتغيّرة. ينتظر المحلّلون بفارغ الصبر مشاهدة المناظرتَين و»تشريحهما» لتقييم أداء المرشّحَين وإظهار «الفائز» في كلّ منهما، علماً أنّ «النتيجة الحاسمة» تبقى في يد المقترعين حين يُحدّدون هويّة الرئيس المقبل.