نبيل خليفة

غياب رئيسي والتصوّرات التخييليّة الخادعة

خلال التشييع في طهران (أ ف ب)

بعد حادث الطيران المروّع الذي أدى إلى مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان وبعض الوجهاء والمسؤولين، أصيبت الجمهورية الاسلامية الايرانية ومعها العديد من الدول والعواصم والحركات السياسية بفترة ذهول واضطراب وانتظار لما ستحمله الأيام بل الساعات بل الدقائق الآتية من وقائع مؤلمة ومذهلة في آن. وكانت النتيجة العثور على الطائرة محترقة وعلى جثث الركاب فيها ومنهم الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي. هذا الحادث المأسوي المريع طرح ويطرح على ضمير وفي ذهن الكثيرين من المعنيين بايران والمتأثّرين بها صورة مختلفة عن اليوم التالي لغياب رئيسي:

أين؟ وكيف يمكن تخطي مرحلة «التصوّرات التخييليّة الخادعة» لما يمكن أن يكون عليه نظام ايران والحاكمون فيه؟ وهل ستشهد طهران تحوّلاً معيّناً في مسارها العقائدي والسياسي؟ وما الذي سيكون عليه تأثير هذا التحوّل على أوضاع المنطقة ودولها والقوى السياسية فيها، سواء تلك التي ترعاها ايران أم تلك التي تناصب ايران العداء؟

إنّ الملاحظات التي يمكن تسجيلها حول حادث الطائرة بشكل علمي وبعيداً من منطق الاتهامات والمؤامرات هي التالية:

1 - إنّ الفترة الزمنيّة الفاصلة بين الحدث والكتابة عنه هي قصيرة بحيث لا يمكن الوصول إلى معطيات وحقائق موضوعية نهائية في الأمر. لهذا ينبغي الانتظار لفترة زمنية أطول يمكن من خلالها الوصول إلى حقائق تكشف عما جرى وكيف؟ ولماذا؟ وهو غير متوفر حتى الآن!

2 - إنّ أول ما يتبادر إلى أذهان البعض هو اتهام جهات خارجية (دولية) بالوقوف وراء الحادث المأساة. وقبل أن تشير أصابع الاتهام لهذه الجهات، سارعت كل من اسرائيل والولايات المتحدة إلى التنصّل من أي مشاركة في الحادث نافية ضلوعها فيه أو تأييدها له.

3 - من الطبيعي أن يستغل البعض الوضع السياسي الداخلي في ايران لتفسير ما حدث بالعودة إلى الصراعات داخل القوى السياسية الايرانية وخاصة بين الأصوليين المتشددين وفي مقدمهم آنذاك الرئيس رئيسي، في مواجهة المعتدلين الذين تمثلت واجهتهم السياسية بالسيدة مهسا أميني التي قتلت وخلقت حالة ثورة شعبية في أوساط الشبيبة الايرانية. وقد أدّت هذه الوضعية إلى تنفيذ العديد من حالات الاعدام في نطاق الثوّار وكان رئيسي بين المتزعمين للتيار الأصولي المتشدد المنفّذ لحالات الاعدام. لذا خطر للبعض ايجاد رابط بين دور رئيسي هنا وبين المصير الذي آل اليه.

4 - أمر ثانٍ خطر للذين يفسّرون حالة رئيسي على ضوء الصراعات داخل السلطة الحاكمة في طهران وهو التنافس على منصب المرشد الأعلى المقبل للجمهورية الايرانية. وكان المرشحان المفترضان لهذا المنصب هما ابراهيم رئيسي من جانب وابن الرئيس خامنئي من جانب آخر. ومثل هذا التنافس المفترض يقود إلى سعي من أحدهما لإلغاء الآخر لتأمين وصوله إلى منصب المرشد الأعلى.

5 - بقيَ مجال لتحليل أسباب هذا السقوط هو مجال الظروف المناخية الصعبة والمعقدة في منطقة جبلية يكسوها الضباب الكثيف ويستحيل معها تبيّن الأجواء المحيطة لتجنّب الارتطام بالروابي والصخور والأشجار، وهو ما شكّل عائقاً كبيراً أمام فريق التفتيش على آثار الطائرة وجثث الركاب فيها. ومن الملفت في هذا المجال ذهاب بعض الأوساط الروسية إلى اتهام الولايات المتحدة بمنع حصول مثل هذه الطائرات على قطع غيار أميركية. وبالتالي يكون هذا الأمر بمثابة اتهام غير مباشر للولايات المتحدة إذ لو كانت الطائرة مجهّزة بمثل هذه القطع لما وقع الحادث.

باختصار، إنّ ما حصل على حدود إيران - أذربيجان هو في الحقيقة مأساة انسانية. هذا في تأكيد لنوعية وطبيعة الحدث. أما الكلام على أسباب وقوعه فإنّ التسرّع في تحديد المسؤول عنه هو موقف سياسي وليس موقفاً علمياً، ذلك أنّ الوصول إلى الحقائق في حصول ما حصل يقتضي وقتاً وتحليلاً ويفرض ظهور بيّنات تكشف خلفيّة الأمور المتعلقة بالرئيس رئيسي وبالآخرين. ففي حدث كهذا الحدث تقوم الحقيقة على بيّنات علميّة ثابتة وليس على التصوّرات التخييليّة الخادعة!