"هرمون الحب"... يعالج الزهايمر؟

02 : 00

وفق الدراسات المخبرية التي تستعمل أنسجة الدماغ، يبدو أن الأوكسيتوسين يعكس أثر بروتين سام له صلة بمرض الزهايمر في الخلايا الدماغية. قد يُجدّد هذا الهرمون "مرونة" الخلايا التي تُعتبر أساسية لحماية الذاكرة وتسهيل التعلّم.

ينشأ هرمون الأوكسيتوسين في منطقة المهاد الدماغية ويؤدي أدواراً مهمة في ولادة الأطفال والرضاعة والترابط الاجتماعي. حتى أنه قد يُسهّل التعلّق العاطفي بالآخرين. يطلق الجسم هذا الهرمون خلال النشاط الجنسي وهذا ما يفسّر تسميته "هرمون الحب". ويكشف دوره في الترابط الاجتماعي أنه قد يسهم أيضاً في معالجة القلق الاجتماعي والتوحد.

لا يزال أثره على الذاكرة غير واضح، لكن اكتشفت دراسة سابقة على الفئران أنه يستطيع تحسين الذاكرة والتعلم المكاني على المدى الطويل.

تساءل باحثون في جامعة طوكيو للعلوم وفي جامعة "كيتاساتو" في اليابان حديثاً عن قدرة هذا العنصر الكيماوي على حماية الخلايا العصبية في أولى مراحل مرض الزهايمر.

فقدان الذاكرة التدريجي

يُعتبر الزهايمر النوع الأكثر شيوعاً من الخرف، وهو يصيب ملايين الناس حول العالم. يتعرض المصابون به لفقدان الذاكرة التدريجي والتراجع المعرفي.

تفترض نظرية شائعة أن تراكم كتلٍ من بروتين سام اسمه البيتا أميلويد في الدماغ يسبب الزهايمر. لكن يشكك بحث جديد بهذه الفكرة. استنتجت دراسة سابقة أن حَقْن البيتا أميلويد الاصطناعي في أدمغة الفئران سبّب لها مشاكل في التعلم والذاكرة.

وفي دراسة أخرى من العام 2000، نقع العلماء شرائح من أدمغة الفئران في طبق من البيتا أميلويد، فكبح هذا العنصر عملية "التقوية طويلة الأمد" التي تسمح للخلايا العصبية بتشفير الذكريات. تحصل هذه العملية حين تنشط أعصاب مختلفة في الوقت نفسه، فتزيد قوة الروابط الكهربائية أو "نقاط الاشتباك العصبي" التي تنقل الإشارات بينها. يبدو أن البيتا أميلويد يكبح بذلك قدرة الخلايا العصبية على تقوية نقاط الاشتباك فيها ويسمّي علماء الأعصاب هذه الظاهرة "مرونة الخلايا". قد تكون منطقة الحُصين الدماغية والمرتبطة بتشكيل ذكريات جديدة ضعيفة بشكلٍ خاص تجاه هذا الضرر.

تجديد مرونة الخلايا

في الدراسة الجديدة، أكد الباحثون في اليابان أولاً أن نقع خلايا دماغية مأخوذة من الحُصين بعنصر البيتا أميلويد يكبح عملية "التقوية طويلة الأمد"، ما يؤدي إلى تراجع مرونة الخلايا لدى الفئران. ثم اكتشفوا أن هرمون الأوكسيتوسين يعكس هذا الخلل على ما يبدو.

لاستكشاف مدى تأثير الأوكسيتوسين على تجديد مرونة الخلايا العصبية، أجرى الباحثون تجربة أخرى. قبل نقع أنسجة الدماغ بالبيتا أميلويد، غلّفوها بعنصر كيماوي يعيق مستقبلات الأوكسيتوسين فوق الخلايا العصبية. كما كان متوقعاً، لم يستطع الأوكسيتوسين بعد هذا العلاج المسبق أن يجدد المرونة المفقودة في الخلايا العصبية.

يقول المشرف الرئيس على الدراسة، أكيوشي سايتوه، من جامعة طوكيو للعلوم: "تبيّن حديثاً أن الأوكسيتوسين يرتبط بتنظيم التعلم وأداء الذاكرة. لكن حتى الآن، لم تحلل أي دراسة سابقة أثر الهرمون على الاختلال المعرفي المرتبط بالبيتا أميلويد. إنها أول دراسة في العالم تثبت أن الأوكسيتوسين يستطيع عكس تلك الاختلالات في الحُصين لدى الفئران".

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "أبحاث الكيمياء الحيوية والبيوفيزيائية".


علاج لضعف الذاكرة؟


يفترض العلماء أن الأوكسيتوسين قد يُستعمَل كعلاج لضعف الذاكرة المرتبط بمرض الزهايمر.

يوضح سايتوه: "في الوقت الراهن، لا وجود لأي أدوية فاعلة بما يكفي لمعالجة الخرف، وثمة حاجة كبيرة إلى ابتكار علاجات جديدة لها آليات عمل مختلفة. تطرح دراستنا احتمالاً مثيراً للاهتمام مفاده أن الأوكسيتوسين قد يكون خياراً علاجياً جديداً لضعف الذاكرة المرتبط باضطرابات معرفية مثل مرض الزهايمر. نتوقع أن تُمهّد نتائجنا لإطلاق مسار مختلف نحو ابتكار أدوية جديدة لمعالجة الخرف الذي يسببه الزهايمر".

لكن حتى الآن، تمحور البحث حول آثار البيتا أميلويد والأوكسيتوسين الحادة على شرائح من أنسجة الدماغ في المختبر. يبقى مرض الزهايمر اضطراباً معقداً وغير مفهوم بالكامل، وهو يتطور تدريجاً على مر سنوات عدة. لا بد من إجراء أبحاث كثيرة أخرى لاختبار آثار الأوكسيتوسين التصحيحية لدى الحيوانات الحية. وإذا نجحت هذه الجهود، قد تبدأ مرحلة الأبحاث العيادية على البشر.

في النهاية، يذكر العلماء في تقريرهم أن أبرز عائق أمام تطوير علاج فاعل يتعلق بقدرة الحاجز الدموي الدماغي على إعاقة مرور الأوكسيتوسين نحو الدماغ.



MISS 3