لا تتوقف خسارة لبنان في هذا الزمن العصيب على الإنهيارات المالية والإقتصادية، بل نعيش في زمن رحيل الكبار الذين أسسوا لنهضة لبنان الثقافية والفنية.
كبير آخر من بلادي يترجل، وما أصعب الرحيل في هذا الزمن؛ إنه الفنان فؤاد شرف الدين من أهم صنّاع أمجاد الفنّ اللبناني، لم يتحمّل رأسه العملية الجراحية، فغادرنا عن عمر ناهز الـ83 عاماً.
وإذا كان المرض أصابه في الرأس، فرأس شرف الدين كان مليئاً بالفكر والإبداع، هو فنان شامل، لم يقتصر عطاؤه على التمثيل، بل كان مؤلّفاً ومخرجاً، واسع الثقافة والإطلاع، مبدعاً ومعطاء للفن، ولم يبخل يوماً على أعماله، حتى لُقّب بكابتن الشاشة العربية.
كان يمارس أفكاره في فنّه، ولم ينحصر في شاشة أو على مسرح، وتخطت شهرته وطن الأرز لتصل إلى مصر والبلاد العربية، مشاركاً كبار الفنانين العرب أعمالهم، ومتفوقاً على بعضهم. شارك في عدد من الأعمال المصرية منها اخراج مسلسل «الدالي» مع نور الشريف واشتهر ايضاً باخراج وتمثيل أفلام الحركة (الأكشن) في فترة السبعينات والثمانينات أهمها «الممر الاخير»، «القرار»، «نساء في خطر»، «المتوحشون»، «حسناء وعمالقة»، ومسلسل «الأب الروحي» عام 2017 ولعب دور «الجنرال آدم فرانك» في «حرب كرموز» عام 2018 ، علماً أنه إنطلق كمخرج ومؤلف من خلال فيلم «الصرخة» عام 1985، وشارك أخيراً في مسلسل «2024» الذي عُرض في رمضان الفائت، وفي فيلم «الرب يراني».
تنقّل شرف الدين بين أدوار الأكشن وأدوار رجل الثقافة والعلم، وقد مثّل دور رئيس تحرير جريدة في مسلسل «زمن الأوغاد» عندما كان الجنوب محتلاً، وللصدفة فقد رحل شرف الدين والجنوب يعيش نفس أحداث المسلسل.
عــــــــــزاء ورثــــــــــاء
يشيع جثمان النجم الراحل اليوم الأربعاء الساعة 3 عصراً، حيث يواري الثرى في روضة الشهيدين- الغبيري. وفور انتشار خبر رحيله، نعت نقابة ممثلي المسرح والسينما في لبنان «النجم الذي عشق لبنان حتى الرمق الأخير» معزيةً أفراد أسرته لا سيما ابنته الممثلة جومانة التي كانت رفيقة درب والدها ولم تفارقه للحظة طيلة فترة علاجه في المستشفى. وشرحت النقابة أن «الراحل دخل منذ فترة إلى المستشفى بسبب بعض الآلام في الكلى وتماثل للشفاء وشارك في مسلسل 2024 الذي عرض في رمضان المنصرم. كما شارك في فيلم «الرب يراني»، وبعدها انتكست صحته ليتبيّن أنّه يعاني ورماً حميداً في الرأس. وخضع على الأثر لعملية استئصال في أحد المستشفيات حيث كانت معنوياته مرتفعة جداً قبل دخوله الى غرفة العمليات. وتماثل بعدها للشفاء وغادر إلى منزله، إلا أنّ حالته انتكست فجأة وفقد الكثير من دمه وتم إدخاله مجدداً إلى المستشفى، وكان من المقرر أن يخضع اليوم لعدد من التحاليل والأشعة لكن المنية وافته».
من جهتها، نعته نقابة الممثلين، وقال النقيب نعمه بدوي: «غيّب الموت النجم الكبير الذي اثرى السينما اللبنانية والشاشة الصغيرة على حد سواء»، مضيفاً: «كان دائماً يأخذ دور ضابط الامن. لذا لقب بالكابتن محافظاً على القانون وعلى هيبة الدولة».
أمّا الإعلامي ريكاردو كريم فقال: «لم يكن الراحل فناناً عادياً، بل كان شغوفاً بالسينما اللبنانية التي حاول ضخّ الحياة فيها في الثمانينات من القرن الماضي، من خلال أفلام الأكشن. راكم «الكابتن» أفلاماً كثيرة جعلت منه نجم شباك تذاكر وبطلاً غلب دوماً المافيات وأهل الشر، وقد كان ينتصر في نهايتها على وقع موسيقى تصويرية كانت تلهب الصالة وتثلج القلوب. مع مرور الوقت، برم الدولاب وتلاشت الأضواء؛ وأضحى معزولاً يتألم في عالم بارد وجاحد. كنت على اتصال بأسرته حيث تابعت حالته الصحية ولم أكن أتوقّع له هذا الرحيل المفاجئ والسريع. عند هذا الصباح، ملأني خبر وفاته حزناً عميقاً على موهبة وروح تستحق نهايةً أجمل وتصفيقاً كبيراً من جمهور سعى فؤاد بكل ما لديه أن يسعده. رحمة الله عليه».
بدوره، علّق أسعد رشدان: «تتساقط النجوم من السماء، لتعود اليها وبسرعة فائقة، محمّلة بالمحبّة والفخر وبكل ما أوتي لها من جهد بذلته ومعها حملته. فؤاد شرف الدين، نجمة الزمن الجميل، تعود الى السماء تحمل معها محبتنا في دمعة فراق أليم. كل الحب».
وقال باسم مغنية: «بطل طفولتي... مع كل أول ظهور له على شاشة السينما يبدأ الناس بالتصفيق والصفير... والجميع يقولون بصوت عالٍ: «إجا البطل»... جملة من طفولتي لن أنساها... وطبعاً لن أنساك كابتن. إلى اللقاء فؤاد شرف الدين».
وودّعت الممثلة ليليان نمري بغصّة الراحل قائلةً: «وداعاً كابتن الشاشة العربية. فؤاد شرف الدين الله يرحمك ويصبّر عيلتك ومحبينك، الكبار ما بيموتوا بيتخّلدوا بأعمالهم وذكراهم، البقاء لله وإلى اللقاء، على رجاء القيامة نصبُر».
أمّا ريما نجيم فنعته قائلةً: «من لا يعرف فؤاد شرف الدين، هو بطل حكاياتنا وأفلامنا من أزمنة الجمال والإنتاج اللبناني. الله معك».
وكتبت كارمن لبّس عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «الله يرحم البطل الرائع فؤاد شرف الدين. بصمته بالسينما اللبنانيّة رح تبقى محفورة، تعازيّ لعائلته ومحبيه».
أمّا كميل متى فعلّق كاتباً: «رحلوا الأبطال اللي عشقن للوطن والسينما كان أكبر من أي مصلحة شخصيّة. الله يطول بعمر الأستاذ أحمد الزين والله يرحم النجم فؤاد شرف الدين».