لا يزال لبنان الرسمي والشعبي معنيّاً بموضوعين أساسيين يشغلان كافة الأوساط الدينيّة والسياسيّة وهما موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانيّة وحلّ العقد التي تقف حائلاً دون حصول ذلك. وايجاد حلّ لتدفّق النازحين السوريين إلى لبنان، بما يزيد على مليونيّ لاجئ مما صار يشكّل خطراً وجودياً على اللبنانيين ولقد شكّل مؤتمر بروكسل في 27/5/2024 محطة مهمة لابراز مواقف كافة الجهات، ولا سيما الحكومة اللبنانية بلسان وزير خارجيتها عبدالله بو حبيب من جانب وقوى الشارع اللبناني الذي اعتصم أمام قصر العدل في بروكسل من جانب آخر.
أولاً: بموضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا يزال الجدل قائماً حول ندوة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري لكي تنعقد في مجلس النواب وبرئاسته لبت موضوع الرئيس الجديد. الأمر الذي رفضته المعارضة لأنه يخالف النصوص الدستورية المتعلقة بمثل هذا الموضوع. ولا يزال بري مصراً على مثل هذا الحوار أولاً وفي المجلس النيابي ثانياً وبرئاسته ثالثاً. هذا مع تمسّك الثنائي الشيعي بمرشح معيّن للرئاسة وبعدم تسهيل عملية التصويت في المجلس اذا لم يصل هذا المرشح إلى الرئاسة.
بكل اختصار ووضوح، هذه مسألة ميثاقية شكلاً وجوهراً ويصعب حلّها بمبادرات سياسية. فالميثاق هو ميثاق للجميع وعلى الجميع... وإلاّ ليس لأحد! ذلك أنّ تغييب جهة ميثاقية عن السلطة هو بذاته عمل تغييب لذاتها. بالعربي الفصيح إنّ تغييب الرئاسة المارونية بمبادرة شيعية هي تغييب للموقع الشيعي في الميثاق والسلطة أي برئاسة مجلس النواب. وهذا هو المدخل الذي ينبغي ايصاله لبري وللموفد الفرنسي جان- ايف لودريان!
ثانياً: حول مصير ومستقبل النازحين السوريين إلى لبنان وبقية الدول. لقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أمام مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا أنّ عدد النازحين السوريين داخل البلاد يبلغ 9 ملايين وأن 6 ملايين لجؤوا إلى الدول المجاورة لسوريا ومنها لبنان. ولقد شهد المؤتمر، وخاصة على الصعيد اللبناني، تحوّلات ومواقف تصعيدية إعلامياً وسياسياً وتشريعياً:
1 - إعلامياً قام متظاهرون لبنانيون بنشاط أمام قصر العدل في بروكسل بوجود نواب وممثلي حركات سياسية وحزبية برفع الشعارات واطلاق نداءات تندد بالوجود السوري غير الشرعي في لبنان على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. فضلاً عن تهديدها سيادة البلد والهوية. ودعت تظاهرات المجلس الوطني في أوروبا إلى مساعدة السوريين في وطنهم وليس في لبنان.
2 - رسمياً كان لخطاب وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، وقعه على المؤتمر. فقد أكد للمؤتمر أنّه يحمل اليه هذه المرّة موقفاً لبنانياً جامعاً عبَّر عنه المجلس النيابي بتوصية للحكومة اللبنانية، وقد عكست الكلمة موقفاً لبنانياً جامعاً قلّ نظيره تمثلت فيه كافة الفئات والمناطق والطوائف والاحزاب. وأبلغ الوزير المؤتمر بأنّ لبنان وصل إلى نقطة اللاعودة ولم يعد بمقدوره الاستمرار في السياسات التي مارسها طوال ثلاثة عشر عاماً. وأكد الوزير اللبناني أنّ الوقت قد حان لطرح حلول تتوافق مع القوانين اللبنانية والدولية بخصوص النازحين، حلول تؤمن عودة النازحين إلى بلدهم بكرامة وأمن. ومن تتعذر عودته ندعو لاعادة توطينه في دولة ثالثة احتراماً لمبدأ القانون الدولي لأن لبنان هو بلد مرور وليس بلد اقامة وتوطين. وحذر الوزير اللبناني من أنّ الأحداث الأمنية التي شهدها لبنان مؤخراً تنذر بعواقب وخيمة وتهدد بانفجار أمننا الاجتماعي الذي ستطال شظاياه دول الجوار بما فيها الأوروبية، ودعا اعضاء المؤتمر إلى وضع أسس لاعادة النازحين إلى ديارهم. فقال بوحبيب انه لم يعد ممكناً الاستمرار بمعالجة الوضع بنفس العقلية اي بتمويل وجود اللاجئين حيث هم وعلى الدول المانحة ان تغيِّر طريقة تفكيرها. وأضاف بوحبيب أنّ لبنان أصبح سجناً كبيراً تصدّعت جدرانه ولم يعد باستطاعته تحمّل هذا الوضع. وانتقد مفوضية اللاجئين لأن تصرفها صار نوعاً من المماطلة وشراء الوقت وأنها أصبحت جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل.
3 - تشريعياً عقدت لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اللبناني اجتماعاً أقرّت خلاله اقتراح قانون لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان وخاصة للداخلين بشكل غير شرعي خلال ثلاثة أشهر. وان كل نازح مخالف سيرحّل بعد اعطائه فرصة ثلاثة اشهر لتسوية أوضاعه. فلبنان ليس أرضاً سائبة!
4 - نحو مقاربة جيو- سياسية.
على أهمية ما طلعت به المؤسسات اللبنانية حول موضوع النازحين السوريين وتقييد مدى وجودهم وبقائهم على الأراضي اللبنانية، فإنّ مقاربة مسألة النزوح ظلت في حدود المقاربة السياسية ولم تتعدّاها إلى المقاربة الجيو- السياسية. وذلك انه من المهم القول أن الأحداث في قلب سوريا، منذ بداية العقد الثاني من القرن العشرين، أدّت إلى انفجار والأصح تفجير ديموغرافي طاول نحو خمسة عشر مليون سوري باتجاه الداخل وباتجاه الخارج. على أنّ ما لم يقله أو يشير اليه الباحثون والاجابة على أسئلة أساسيّة وفيها: لماذا وقع تفجير الديموغرافية داخل سوريا؟ وما الدافع اليه؟ ومن المستفيد منه؟ فلماذا تصرّ الدول الأوروبية على بقاء النازحين السوريين في لبنان وتسعى لدعمهم داخل لبنان وليس في سوريا؟