رماح هاشم

قطاع البترول في "وكر السياسيين"

بعد توقّف أعمال الحفر والتنقيب نهائيّاً في البلوك رقم 9، والذي شكّل صدمةً لكل المُراهنين على وجود غاز في لبنان تبقى العيْن على تقرير شركة «توتال إنرجيز» التي ما زالت تُماطل حتى الساعة بتسليم التقرير. وهو ما يدفع إلى الشّك بوجود «قطبة مخفيّة» في موضوع التنقيب، حيثُ لا يُمكن إستبعاد فكرة وجود «خطّة» يحبكها بعض مَن في الداخل بالتقاطع مع المصالح الخارجيّة.

المشكلة الأساسيّة

في الإطار هذا، تُسلّط الخبيرة في الشأن الدولي والبترولي د. خديجة حكيم الضوء على المشكلة الأساسيّة التي يُعاني منها قطاع البترول وسبب وصول لبنان إلى ما وصل إليه مع شركة «توتال إنرجيز». حيث تؤكّد أنّ «المشكلة الأساسيّة التي يُعاني منها القطاع البترولي في لبنان ليست في غياب منظومة قانونيّة أو كادر إداري مؤهل ذي خبرة في القطاع، بل في تدحرج هذا القطاع إلى وكر السياسيين، فتدخلوا في تقرير مساره وفق حصصهم ومصالحهم السياسيّة. وباتت السياسة العامّة للقطاع مرهونة بنتائج اللعبة مع الخارج وموازين القوى في المنطقة. فكان من الطبيعي أنْ نحصد هذه النتائج المُخيّبة للآمال رغم الجهود المبذولة من قبل إدارة قطاع البترول لخلق رؤية واضحة له»، وتضيف حكيم خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، «لو عدنا للوراء إلى إعلان دورة التراخيص الأولى في العام 2013 فقد تأخرّ القطاع البترولي أربع سنوات بسبب المُناكفات السياسيّة التي عطّلت إقرار مرسوميْ دفتر الشروط ونموذج إتفاقية الإستكشاف والإنتاج ومرسوم تقسيم المياه البحرية اللبنانيّة إلى رقع، وحتى تاريخ اليوم ما زالت السياسة تُحدّد مسار هذا القطاع، وما ربط مُجريات ونتائج الحرب الدائرة في جنوب لبنان بمسار إستمرار التنقيب والمضي قدماً بالقطاع إلّا إنعكاس لهذا النهج».



الخبيرة في الشأن الدولي والبترولي د. خديجة حكيم



اللعنة والدور السياسي

وتأسف لأنّ «اللعنة السياسية لم ترخِ بظلالها فقط على هذا القطاع، بل طالت أيضا المُشغِّل للكونسورتيوم الفائز بالرقعتيْن 4 و9 من المياه البحرية اللبنانية أي شركة توتال إنرجيز الفرنسية. فلا يخرج تفسير النهج المتعمد من المُماطلة الذي انتهجته وتنتهجه شركة توتال إنرجيز في إنفاذ الحدّ الأدنى من موجبات رب العمل في إتفاقية الإستكشاف والإنتاج على الرقعتيْن 4 و9 عن الإعتبارات السياسيّة والخضوع لموازين القوى في المنطقة. فلو عدنا للرقعة رقم 9، فقد عمدت توتال إنرجيز الى الدخول في اللعبة السياسيّة منذ البداية بربط بدء عمليات الإستكشاف والتنقيب في الرقعة رقم 9 بتوقيع إتفاقيّة ترسيم حدود المنطقة الإقتصاديّة الخالصة مع إسرائيل، مُتجاهلة إلتزاماتها التعاقدية بموجب عقد الإستكشاف والإنتاج مع الدولة اللبنانية».

وتضيف حكيم: «بل أكثر من ذلك، عمدت توتال إنرجيز إلى توقيع اتفاق مبادئ مع إسرائيل، ومن ثم إتفاقية مالية حول حقل قانا المُحتمَل مع الأخيرة دون إطلاع الدولة اللبنانية على بنود هذيْن الإتفاقيْن، بمخالفة صريحة لبنود عقد الإستكشاف والإنتاج لا سيّما بند تعارض المصالح المُشار إليه في المادة 42 من إتفاقية الإستشكاف والإنتاج».

وتأكيداً على تأثير الدور السياسي على إنفاذ توتال إنرجيز أو المشغِّل للكونسورتيوم في لبنان أعمال الإستكشاف والتنقيب، تلفت حكيم إلى أنّه «قبيل بدء حرب غزة، سارع المُشغل إلى إيقاف أعمال الحفر الإستكشافي الأوّل في بئر قانا 1/31 بصورة مُفاجئة وعلى عمق 3900 متر، مع العلم أنّ إلتزامات الحدّ الأدنى للحفر بموجب إتفاقيّة الإستكشاف والإنتاج هي 4400 متر».

تجاهل طلب الدولة

وتُتابع: «لتاريخ اليوم ورغم تكرار طلب الدولة اللبنانيّة التقرير الرسمي من قبل المشغَّل شركة توتال إنرجيز حول تقويمه لنتائج الفحص الفني لأعمال الحفر الإستكشافي الأول في الرقعة رقم 9 ، ومضي مهلة الستة أشهر المُتطلبة قانوناً وفق المادة 10 من إتفاقيّة الإستكشاف والانتاج، تتعمد شركة توتال إنرجيز المُماطلة وتجاهل طلب الدولة اللبنانية في هذا الصدد. وبالرغم من وجود عدد من البنود التي تكفل للدولة اللبنانية حفظ حقّها في الضغط على المُشغل لتنفيذ موجباته أو الحد الأدنى لموجبات رب العمل المنصوص عليها في إتفاقيّة الإستكشاف والإنتاج، من الكفالة الماليّة الموجودة لصالح الدولة اللبنانية عن إلتزامات رب العمل والتي مقدارها 40 مليون دولار أميركي إلى حقّ هيئة إدارة قطاع البترول الطلب من أصحاب الحقوق عزل المشغل واستبداله في حال مُخالفته لإلتزاماته المنصوص عليها في إتفاقية الإستكشاف والإنتاج وغيرها من البنود التي تحفظ حق الدولة اللبنانية في هذا الإطار، إلّا أنّنا وللأسف إزاء واقع السياسة التي تنتهجها الدولة اللبنانية منذ تأسيس هذا القطاع، فمن غير المتوقَّع أن نذهب إلى خطوة جديّة وحازمة في التعاطي مع مخالفات المُشغل ونهجه في التأخير والمُماطلة مع الدولة اللبنانية».وتختم حكيم: «مُخطئ مَن يظن أنه قادر على التنبؤ أو إدارة توقّعاته لأي قطاع في هذا البلد لا سيّما القطاع البترولي في ظلّ غياب مقوّمات الدولة وسلطة حرّة ذات سيادة وشعب واعٍ لحقوقه وثرواته ولديه القدرة على المُساءلة والمّحاسبة».