جاد حداد

Top Gun: Maverick... توم كروز يرفع مستوى أفلام التشويق المألوفة

لا يُعتبر فيلم Top Gun: Maverick تتمّة للعمل الأصلي Top Gun بل نسخة متجددة منه. يبدو إطار القصة مستوحى من الفيلم الأصلي وتتّضح نقاط التشابه في معظم المشاهد تقريباً. تبرز بعض التغيرات الجذرية طبعاً، لكن يبقى مصدر القصة واضحاً رغم تحديث الأفكار كي تتماشى مع العصر الراهن. في الفيلم الجديد، يعود توم كروز بدور الملازم «بيت ميتشيل» المعروف بلقب «مافريك». هو أصبح الآن طياراً تجريبياً في موقع معزول من صحراء «موهافي»، حيث يكاد المشروع الذي يعمل عليه (تطوير طائرة جديدة) يُلغى لاستبداله بطائرات مسيّرة بحجّة عجز ابتكاره عن تلبية المعايير المطلوبة على مستوى الأداء.

يتحدى «مافريك» أوامر الأميرال ويأخذ الطائرة المحمولة جواً، رغم جميع الصعاب والمخاطر الشخصية التي يتعرّض لها، ويتحرك بسرعة تفوق السبعة آلاف ميل في الساعة، فينقذ المشروع مؤقتاً لكنه يجازف أيضاً بالتعرّض للملاحقة في المحكمة العسكرية. هو يعود في نهاية المطاف إلى «كلية الأسلحة المقاتلة» التي تخرّج منها والمعروفة باسم «توب غان» في سان دييغو بعدما يستدعيه الضابط المسؤول في الأكاديمية، الأميرال «توم (أيسمان) كازانسكي» (فال كيلمر)، الذي كان زميله في الكلية وخصمه المحترم في الفيلم الأول. تقضي مهمّة «مافريك» هذه المرة بتدريب 12 طياراً شاباً لأداء مهمّة سرية وبالغة الأهمية: التوجه نحو منطقة جبلية في دولة «فاسدة» لم يُكشَف اسمها وتدمير محطة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض.



لكن سرعان ما يقرر أميرال آخر اسمه «بو (سيكلون) سيمبسون» (جون هام) تهميش «مافريك» ويُغيّر معايير المهمّة. رداً على ما يحصل، يسرق «مافريك» طائرة أخرى وينطلق في رحلة خطيرة وممنوعة لتبرير معاييره الخاصة أمام «سيكلون» الذي يأمره بالعودة لقيادة الطيارين الأصغر سناً. لكن يحمل «مافريك» تاريخاً حافلاً مع واحد من هؤلاء الطيارين: إنه الملازم «برادلي برادشو» (مايلز تيلر) المُلقّب بـ»روستر». كان والده الراحل «نيك (غوز) برادشو» (أنتوني إدواردز) مرشد «مافريك» في الفيلم الأصلي ثم مات وهو ينقذ حياته. ثمة تفاصيل أخرى في هذه القصة، لكن يضطر «مافريك» باختصار لتجاوز مشاعر العداء وانعدام الثقة التي يحملها تجاهه واحد من أفضل الطيارين الذين يُدرّبهم لضمان تنفيذ المهمّة، والحفاظ على وحدة الفريق وراحة بال «روستر»، وأداء واجباته كشابٍ خسر والده قبل أن يتحمّل مسؤوليات أبوية تجاه الآخرين.

تشمل القصة أيضاً جانباً رومانسياً قد يكون الأكثر سطحية في هذا الفيلم. هذه المرة، يقابل «مافريك» حبيبة سابقة اسمها «بيني» (جينيفر كونيلي)، وهي صاحبة حانة يتسكع فيها الطيارون. تبقى علاقتهما الحلقة الفارغة التي يدور حولها الفيلم، لكن لن يكون هذا الفراغ عرضياً أو غير مقصود، بل إنه نهج درامي متعمّد من جانب المخرج وكتّاب السيناريو.

تتعدد المخاطر في هذا الفيلم، بما في ذلك مرور طيار يحتاج إلى من ينقذه في الجو. حتى أن «مافريك» شخصياً يواجه بعض المواقف الخطيرة، لكن لا يشير أيٌّ منها إلى الضعف، أو غياب قوة الإرادة، أو أي تشكيك بالمهمّة الأصلية أو قدرات الطيارين. تبدو التحديات المطروحة ملموسة وتقنية أكثر مما هي نفسية ودرامية، ولا يطرحها السيناريو على شكل قرارات مصيرية بل حلول ناجحة. لهذه الأسباب، لا يبدو الفيلم مكتوباً ومُوجّهاً عن طريق المخرج بل إنه مبرمج بطريقة مستهدفة. هو يبلغ مستوىً من المثالية ويتبنّى مقاربة متقنة لزيادة قوة العمل وتمرير أفكار سياسية ضمنية بأسلوب سلس.

في الفيلم الأصلي، كان «مافريك» محارباً يحتاج إلى السيطرة على عواطفه لخدمة بلده وحماية زملائه. لكنه يبدو في الفيلم الجديد رجلاً يقترب من الستين من عمره ولا يُحقق النجاح إلا عبر الاستسلام لمشاعره عبر الامتناع عن التحكم بها صراحةً. إنها العقيدة التي يُلقّنها للطيارين الشباب حين يقول لهم: «لا تفكروا بل تصرفوا»! ثمة اختلاف هائل بين «مافريك» الشاب الذي يتكل على حدسه قبل التحرك و»مافريك» الناضج الذي يفضّل التحرك بلا تفكير مسبق. لا يقتصر هذا الاختلاف على الطيران والقتال بل يطرحه صانعو العمل كشعار قد يلجأ إليه الأشخاص المكلّفون بجميع أنواع المهام في أي مكان.

أخيراً، يُعتبر عامل السرعة من أبرز مزايا الفيلم: لا نعني بها سرعة الطائرات التي تُحلّق في السماء بل سرعة تحريك الأحداث منذ بداية القصة وحتى نهايتها. تبدو الرحلات في منتصف الفيلم متخبّطة ومُسبّبة للدوار، وتُستعمل الدراما بإتقان عموماً وتتبع مساراً متماسكاً. يقدّم المخرج جوزيف كوسينسكي أداءً متوازناً في الجو والبرّ، فهو لا يسمح للتفاصيل الدقيقة بتشتيت انتباهه عن سياق الأحداث العام ولا ينشغل بعوامل عابرة أو ملاحظات عرضية، بل يحصر تركيزه بمسار مشاهد الحركة المتلاحقة من دون أن يلتفت إلى فروعها الجانبية، أو تداعياتها، أو مضمونها، أو وقائعها العاطفية. بعبارة أخرى، يفضّل المخرج أن يبقي العامل الدرامي مبهماً بقدر البرمجيات العسكرية ويُجرّده من الطابع الإنساني بقدر المعدات العسكرية التي تُعتبر بطلة الفيلم الحقيقية. باختصار، يسهل أن يستمتع محبّو أفلام الحركة بهذا العمل إذا كانوا يشاهدون الفيلم من دون التفكير بأدق تفاصيله.