عامل واحد يُحدّد انتشار حملات التضليل على الإنترنت

02 : 00

ثمة نوعان من أدوات نشر المعلومات في إطار حملات التضليل الشائعة على شبكة الإنترنت: ناشرو الأكاذيب أو الادعاءات المُضلّلة بطريقة متعمدة ومنظّمة، وناشرو المعلومات الخاطئة عن غير قصد.

سبق واتّضح جزء من العواقب الوخيمة لتلك الحملات المختلطة خلال أزمة كورونا، لكن هل كان تراجع التفاصيل المتعلقة بطريقة التعامل مع حملات التضليل المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ليغيّر سلوك الناس، لا سيما موقفهم من اللقاحات؟

بدأ باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بنسلفانيا يربطون الأدلة والمعلومات لإثبات العلاقة السببية بين هذه العوامل، فحللوا تأثير أكثر من 13 ألف عنوان رئيسي على مواقف 233 مليون مستخدم لتطبيق «فيسبوك» في الولايات المتحدة من اللقاحات. تساوي هذه العيّنة حوالى 70% من سكان البلد.

وسّع الباحثون نطاق دراستهم ولم يكتفوا بمراجعة المحتويات التي يعتبرها المدققون بالحقائق على المنصات كاذبة أو مُضللة، بل شملت قاعدة بياناتهم جميع العناوين الرئيسية المرتبطة باللقاحات خلال أول ثلاثة أشهر بعد طرح اللقاحات الأميركية، بين كانون الثاني وآذار 2021، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بحملات التشكيك باللقاح التي لم تفتقر إلى الدقة لكنها طرحت أسئلة كثيرة عن اللقاحات ولم تدقق بالمعلومات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول خبيرة علم الاجتماع المحوسب، جينيفر آلن: «انطلاقاً من وجهة نظر موضوعية مسبقة حول المواد القادرة على تغيير المواقف من اللقاحات، اكتشفنا أنواع المحتويات التي تجعل الناس يترددون في تلقي اللقاح».

طُرِحت فرضيات كثيرة حول الرابط بين التعرّض لحملات التضليل والسلوكيات الناجمة عنها، استناداً إلى دراسات تكشف روابط بين تقاسم المعلومات الكاذبة المنتشرة على الإنترنت وتصديقها وتراجع النزعة إلى تلقي لقاحات «كوفيد-19».

لكن لم يتّضح العامل الذي يؤثر على الآخر. تذكر أبحاث أخرى أن التردد الأولي في أخذ اللقاح يدفع الناس إلى مراجعة معلومات متزايدة، بدل أن تنشر حملات التضليل أولى بذور الشك وتمنع المستخدمين من أخذ اللقاحات.

لاكتشاف السبب الأصلي وراء هذا السلوك، اختبر الباحثون في البداية تأثير عناوين رئيسية مختلفة على طريقة تعامل الناس مع اللقاحات خلال تجربتَين شملتا أكثر من 18700 مشارك في استطلاعات إلكترونية.

بغض النظر عن صحة العناوين الرئيسية ودقتها، اكتشف العلماء في التجربة الثانية أن الناس يصبحون أقل ميلاً إلى تلقي اللقاح إذا صدّقوا أن اللقاحات مُضِرّة بالصحة.

تعمّق الباحثون بتلك النتائج في المرحلة اللاحقة ورصدوا علاقة سببية بين العاملَين وسط 233 مليون مستخدم لتطبيق «فيسبوك» في الولايات المتحدة، فاستعلموا خليطاً من بيانات الناس والتعلّم الآلي لقياس تأثير 13200 موقع إلكتروني مشهور على صلة باللقاحات في بداية العام 2021.

تبيّن أن حملات التضليل التي يتحقق منها المدققون ويتأكدون من عدم صحتها لا تجذب عدداً كبيراً من مستخدمي «فيسبوك»، على عكس القصص غير الخاضعة للرقابة، فهي تصل إلى عدد إضافي من الناس وتُلمِح إلى أضرار اللقاحات.

نشرت مواقع إخبارية معروفة وجديرة بالثقة تلك القصص وشاهدها مئات ملايين المستخدمين، ما أدى إلى شيوع نزعة التشكيك باللقاحات، وقد أثرت هذه المواد على الناس أكثر من المنشورات الخاضعة للرقابة بمعدل 46 مرة. بعبارة أخرى، انعكست المحتويات التي تشكك باللقاحات في المواقع المعروفة ولم تُعتبر جزءاً من حملات التضليل على تردد الناس في تلقي اللقاح أكثر من المحتويات الكاذبة التي تنشرها مواقع هامشية.

توضح آلن: «كانت المحتويات الشائعة التي تسلّط الضوء على حالات وفاة نادرة بعد أخذ اللقاح من أعلى القصص مشاهدة على «فيسبوك»، ما يثبت أن تعرّض الناس لمعلومات كاذبة هو الذي يُحدد قوة تأثير تلك الحملات».

تتعدد العوامل الواقعية الأخرى التي تؤثر على قرارات الناس بشأن تلقي اللقاح طبعاً، وقد لا يكون التردد العامل المؤثر الوحيد في هذا المجال. أخيراً، لا تشبه مواقف الناس من اللقاح البيانات المرتبطة بحملات التلقيح. ركّزت الدراسة الجديدة على بلد واحد، لكن قد تسمح نتائجها باستشكاف طريقة انتشار المعلومات حول العالم.

في النهاية، يستنتج الباحثون: «يكشف بحثنا أن الحد من انتشار حملات التضليل يعطي منافع بارزة على مستوى الصحة العامة، لكن من الضروري أيضاً أن نراعي المواد المبهمة التي تطرح وقائع دقيقة لكنها تهدف إلى تضليل الناس».

MISS 3