جاد حداد

Trust... بين الخيانة والخداع



أصبح الخونة والمخادعون محور قصص متنوعة في عالم الدراما الرومانسية لأن هذه الحكايات تترافق عموماً مع أعلى درجات التوتر والتشويق. في الأفلام، تُعتبر الخيانة قوة قادرة على زعزعة العلاقات، وتكون مشاهدتها أكثر متعة من رؤية زواج سعيد ومستقر.

يتمحور فيلم Trust (الثقة) للمخرج براين ديكوبيليس حول حبكة الخيانة والمخططات المرتبطة بعلاقات مزعومة خارج إطار الزواج. «بروك» (فيكتوريا جاستس) هي صاحبة معرض جديد توصّلت إلى اكتشاف فني مثير للاهتمام: إنه الرسام المقيم في دبلن، «أنسغار» (لوسيان لافيسكاونت). تُعوّل «بروك» على لوحاته الاستفزازية والمميزة بألوانها الساطعة لجذب أنظار عالم الفن. يتّسم «أنسغار» من جهته بشخصية نارية، وهو معتاد على رسم صور عارية لحبيباته السابقات. هو يلفت نظر زوج «بروك»، «أوين» (ماثيو داداريو)، خلال وقتٍ قصير. يكون هذا الأخير مراسلاً ناجحاً له مسيرته الخاصة، وهو يتظاهر بدعم زوجته وبالكاد يخفي شكوكه تجاه ذلك الرسام المغري. لكن تحمل «بروك» من جهتها شكوكاً أخرى تجاه زوجها، لا سيما بعدما لاحظت أنه يتلقى رسائل مشفّرة من مساعِدات أصغر سناً في قسم الأخبار الذي يعمل فيه. هي تحمل هذه الشكوك قبل أن يحصل لقاء بين «أوين» و»إيمي» (كاثرين ماكنمارا)، الشقراء اللعوب التي تظهر لزيادة تعقيدات القصة.

تبدو بداية الفيلم هشة، لكنه يعود ويتخذ منحىً ممتعاً بعد تعريف الشخصيات وبدء لعبة المغازلة. يُلمِح الفيلم إلى أحداث حصلت أو لم تحصل، فيعطي المشاهدين فرصة لإطلاق التوقعات والتخمينات حول هوية من يخون ومن يتعرّض للخيانة. كذلك، يتلاعب الفيلم بتوقيت الأحداث، فيعود إلى لقطات من الماضي ويعرض حركات وأدلة بسيطة لكن من وجهة نظر مختلفة. يُركّز مدير التصوير ديفيد تامبلتي على هذا الجانب، فيضفي أجواءً ساطعة على مشاهد مدينة نيويورك خلال الليل ويعرضها كنقيض للجدران البيضاء اللامعة في معرض «بروك»، واستوديو الأخبار القاتم حيث يعمل «أوين»، والأيام الغائمة التي تشهد لقاء «بروك» و»إيمي». إنها تلميحات سلسة عن المشاعر التي تتبادلها الشخصيات في كل موقف: في لحظة لقاء «أوين» و»إيمي» في إحدى الحانات مثلاً، يصبح المشهد مغرياً وأزرق اللون بدرجة استثنائية. وعند تكرار تلك اللحظة لاحقاً وعرضها من وجهة نظر مختلفة، تظهر اللقطة من مسافة أبعد، فلا تعود مشابهة للإعلانات الجاذبة بل تصبح أقرب إلى لعبة بين شخصٍ متسلط وإنسان ساذج يسهل التلاعب به.



يحافظ الفيلم على جاذبيته إلى أن يتخبّط بسبب حواراته الدرامية المفرطة وأفكاره التي تفتقر إلى المنطق أحياناً. لا تبدو بعض الكلمات مقنعة، ويحمل جزء من المؤثرات البصرية طابعاً سخيفاً، ويشعر المشاهدون بالارتباك عند طرح بعض التفسيرات بدل أن يجدوا أجوبة على أسئلتهم. يستوحي سيناريو ديكوبيليس، وكي إس بروس، وكريتسن لازاريان، جزءاً من أفكاره من مسرحية لازاريان، وهذا ما يفسّر على الأرجح التوتر الكامن بين «بروك» و»أوين» ويجعل مغازلتهما تعطي الأثر المطلوب حين تكون تبادلاتهما واضحة وصريحة. لكن لا تتماشى التفسيرات السينمائية للمسرحية مع أجواء الفيلم في جميع اللحظات، بما في ذلك مواجهة تجمع الثنائي في زمن الميلاد وتدور في شوارع نيويورك، على بُعد حي أو اثنين من مركز «راديو سيتي ميوزيك هول» الذي يبقى تأثير ظهوره أقوى من الطابع الدرامي الذي تحمله علاقة الزوجين في ذروة أحداث الفيلم. يظهر هذا المكان في مناسبات متكررة، بما يفوق التركيز على الثنائي أحياناً. كذلك، تُعرَض لقطات لهذه الأجزاء من مدينة نيويورك خلال فترة الأعياد، وهي تحاول أن تعكس الجانب المأسوي من الأحداث لكنها تُشتّت انتباه المشاهدين بدل أن تعطي الأثر الدرامي المنشود.

على صعيد آخر، يبدو أداء الممثلين متفاوتاً بشكل عام. تجسّد فيكتوريا جاستس مشاعر انعدام الأمان والشكوك التي تراود «بروك» بدور الزوجة التي تبحث عن أجوبة على أسئلتها بكل بساطة، لكنها تشكك لاحقاً بدعمها للرسام الشاب «أنسغار» وتتساءل إذا كان هذا القرار يبرر خسارتها لعلاقتها الزوجية. هي تتابع دعمه في جميع الأحوال، وتصدّ محاولاته للتودد إليها، وتسعى إلى تحسين علاقتها مع «أوين». أما كاثرين ماكنمارا بدور «إيمي»، فهي تشبه الشخصيات التي نفترض أننا نعرفها قبل أن يتبيّن أنها غريبة عنا بالكامل. تبقى شخصيتا «إيمي» و»بروك» غامضتَين بدرجة معيّنة حتى النهاية، وقد يزعج هذا الجانب بعض المشاهدين بسبب إصرار صانعي العمل على طرح حقائق جزئية. في ما يخص الممثلين الرجال، يقدّم معظمهم شخصيات مألوفة، فتبدو خصائصهم واضحة وتبقى تصرفاتهم متوقعة بشكل عام. يوحي «أنسغار» على وجه التحديد بأنه لا يستحق الجاذبية التي ينسبها إليه صانعو العمل، فهم يقدّمونها كشخصية مغرية لا تفكر إلا بالجنس.

أخيراً، يبدو الفيلم أشبه بكتاب يمكن مطالعته في المطار خلال رحلة طويلة، بعد أسبوع عمل شاق. يسهل أن نواكب أحداثه بشكل عام ونتعلّق بالجوانب الدرامية التي تحملها شخصياته. تشمل القصة بعض المفاجآت، لكنها ليست صادمة أو مبهرة بأي شكل. سبق وعُرِضت قصص شائكة أكثر تأثيراً على الشاشات وكان معظمها ممتعاً وناجحاً، لكن قد لا يدخل هذا الفيلم في خانة الأعمال التي تبقى في ذاكرة المشاهدين لفترة طويلة.