العميد المتقاعد مارون توفيق خريش

إيران وإسرائيل والتفوّق العسكري

لا يقتصر التفوّق العسكري فقط على عدد الوحدات العسكرية البرية ولا على الأسلحة المساندة كالبحرية والطيران والصواريخ على أنواعها والمسيرات ولا حتى على الأسلحة غير التقليدية كالقنابل الذرية والاسلحة الكيماوية وكل أسلحة الدمار الشامل، وانما يتعدى ذلك إلى مسرح العمليات والأحلاف العسكرية وموازين القوى الدولية. لقد كان واضحاً أنّ أي ضربة ايرانية على إسرائيل أكانت مباشرة أم بواسطة حلفائها أو الميليشيات الملحقة بها لن تكون الا ردة فعل هزيلة على استهداف قنصلية ايران في دمشق.

وبرغم قدرات إسرائيل العسكرية، أجمع كل المراقبين والمحللين العسكريين على عدم قدرة إسرائيل منفردة على مواجهة «حماس» الا بالمساندة والدعم الأميركي والاوروبي الدائم لا سيما وأنّ ميزان القوى لا يحسب بالمقارنة بين القوى المُزَجّة مباشرة في الحرب وانما بالمقارنة بين القوى المتحالفة في طرف ما وبين القوى المتحالفة في الطرف الآخر.

فماذا يستفاد في هذا السياق من الضربة الايرانية التي وقعت ليل الثالث عشر من شهر نيسان 2024.

أولاً: إنّ ايران مهدت لضربتها بسلسلة طويلة من الاتصالات بحلفائها وأعدائها في الوقت عينه لكي تأتي الضربة محدودة ولا تثير غضب اسرائيل أو أميركا ويصبحا مجبرين على الرد على الرد فتنزلق الأمور إلى حرب شاملة لا قدرة لإيران على مواجهتها فتخسر ما ربحته بواسطة وكلائها في المنطقة.

ثانياً: إنّ الإعلان المسبق عن الضربة والمسافة التي تفصل قواعد اطلاق النار الإيرانية عن اهدافها، أفقدت العملية عنصر المفاجأة وأعطت القوى المواجهة الفرصة الثمينة والوقت الكافي للاستعداد لضرب المسيّرات والصواريخ المستخدمة في الهجوم فأصبحت العملية بلا جدوى.

ثالثاً: إنّ حالة الترقب بين الاعلان عن الضربة وحصولها جعلت الرأي العام العالمي يتراجع لصالح الدولة المهاجَمة أي إسرائيل وأفقد القضية الفلسطينية التعاطف العالمي الذي كسبته من جرّاء الإفراط في استخدام القوة على المدنيين والبنى التحتية وعلى الطواقم الطبية والمستشفيات في غزّة.

رابعاً: إنّ كل الحملات في الجامعات في أميركا وكل التظاهرات المؤيّدة للحق الفلسطيني بدولة مستقلة ومعترف بها، لم تؤثر في موقف القوى العظمى وخصوصاً الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي، ما عطل مشروع القرار بالاعتراف بدولة فلسطين لتصبح عضواً كامل الصلاحية في الأمم المتحدة.

خامساً: برغم كل هذه التطورات بقي الموقف العربي على حاله واكتفت الدول العربية وخصوصاً الكبرى منها مثل مصر والسعودية بمواقف الشجب والإدانة من دون اي تحرك عسكري رادع ينقذ ما تبقى من القضية الفلسطينية قبل زوالها واندثارها. فالحديد لا يفلّهُ إلا الحديد، ولا يقف في وجه الجيش الاسرائيلي إلا جيشٌ منظمٌ ذو قدرات في التسليح والتدريب واللوجستية يستند إلى حلف قوي يضم دولاً مستقلة وذات سيادة تستطيع أن تنفذ التزاماتها وليس منظمات وميليشيات تتبع في قراراتها لمن يقوم بتمويلها.