نورم أورنستاين

الانتخابات الرئاسية الأميركية ستكون فوضوية

28 آب 2020

المصدر: American Enterprise Institute

02 : 30

قد يواجه الناخبون الأميركيون كابوساً حقيقياً في تشرين الثاني المقبل. عكست التطورات الأخيرة في الانتخابات الأولية مجموعة من المؤشرات التحذيرية والشوائب والإخفاقات وقلة الكفاءة ومظاهر سلبية أخرى، قد تفسد الانتخابات الوطنية في تشرين الثاني. في ولاية ويسكونسن، إضطر الناخبون للذهاب إلى مراكز الاقتراع شخصياً في زمن الوباء، بسبب امتناع المسؤولين عن إدارة الانتخابات عن إرسال طلبات الاقتراع الغيابي وفشل الخدمة البريدية الأميركية في تسليمها. وحين وصل الناخبون إلى مراكز الاقتراع، اضطروا للانتظار في صفوف طويلة بسبب تراجع أعداد المراكز. تكرر الوضع نفسه في جورجيا. إفتقرت هذه الولايات إلى المسؤولين الانتخابيين والعاملين في الاستطلاعات وآلات التصويت الفاعلة. هذه الإخفاقات كلها أجبرت الناس على الانتظار لساعات عدة، فنكثت السلطات بوعدها المرتبط بتأمين عدد كافٍ من أوراق الاقتراع لتحسين ظروف الانتخاب.

لا تنحصر مشاكل الأنظمة الانتخابية في هذه الولايات فحسب. ولا تقتصر التجاوزات على الولايات المؤيّدة للحزب الجمهوري أو تلك التي تتأثر فيها الانتخابات بجهات حزبية مثيرة للشك. لطالما واجهت نيويورك وولايات كثيرة أخرى مشكلة سوء إدارة الانتخابات، كما أنها تعجز عن التعامل مع طلبات الاقتراع الغيابي. ونظراً إلى تراجع عائدات الضرائب بسبب فيروس كورونا المستجد، قد لا يحصل المسؤولون عن إدارة الانتخابات على الموارد اللازمة لطباعة بطاقات الاقتراع بسبب العجز المالي المترتب عن هذا الوضع. تتعدد المؤشرات التي تكشف أن انتشار فيروس "كوفيد - 19" في الخريف المقبل قد يكون حاداً، لا سيما إذا فتحت المدارس أبوابها، وقد تزداد التعقيدات المرتقبة إذا كان موسم الإنفلونزا سيئاً.

لننتقل إلى مشكلة أخرى الآن. يستحيل أن تُطبَع بطاقات الاقتراع الخاصة بالانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل قبل أن يصادق كل حزب على مرشّحيه. بالنسبة إلى الحزبَين الديمقراطي والجمهوري، ستحصل هذه العملية خلال مؤتمراتهما في أواخر شهر آب. لكن ماذا لو أخّرت أحزاب أخرى، مثل "الخضر" أو الحزب الليبرتاري، المصادقة على مرشّحيها حتى أواخر أيلول؟ في تلك الحالة، ستتطلب طباعة بطاقات الاقتراع وإرسالها إلى الناخبين وقتاً إضافياً، ما يعني أن ملايين الناس قد لا يتلقون بطاقاتهم بحلول يوم الانتخابات، أو ربما يحصلون على أيام معدودة لإرسالها بالبريد ولا شيء يضمن وصولها في الوقت المناسب. سيقصد عدد كبير من الناخبين مراكز التصويت ويستعمل طريقة الاقتراع الموقّت التي تتطلب وقتاً إضافياً لفرز الأصوات. وإذا اعتُبِر عدد هائل من الأصوات عن طريق البريد باطلاً بسبب غياب التواقيع أو مشاكل تقنية أخرى، لا مفر من مواجهة تحديات قانونية إضافية.

لنتخيّل حصـول الانتخابات في 3 تشرين الثاني من دون احتساب أعداد كبيرة من الأصوات عبر البريد إلا بعد أيام أو حتى أسابيع من يوم الانتخابات، ثم تظهر مشاكل أخرى بسبب الاقتراع الغيابي والموقّت. هذه الخلافات قد تستمر حتى شهر كانون الأول وتنعكس سلباً على المهلة الانتخابية التي ينصّ عليها القانون. يجب أن تصادق الولايات على الناخبين فيها بحلول 8 كانون الأول، ويجب أن يدلي الناخبون بأصواتهم بحلول 14 كانون الأول. سيجتمع الكونغرس للمصادقة على الأصوات والموافقة على النتائج في 6 كانون الثاني، وسيُعقَد حفل تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني ظهراً. لكن ماذا لو عجزت الولايات عن حل مشاكلها الانتخابية بحلول 8 أو 14 كانون الأول؟ وماذا لو أصبحت شرعية بعض القوائم الانتخابية محط جدل وأرسلت الولايات قائمتَين منفصلتَين إلى الكونغرس لتقييمهما؟ وماذا لو منع الوباء المتفاقم أعضاء الكونغرس من العودة إلى واشنطن في الوقت المناسب لحل هذه الخلافات؟ يغطّي قانون الفرز الانتخابي 1887 جزءاً من هذه الظروف، لكن تتعدد الالتباسات العالقة.

من المنتظر أن تتفاقم المشاكل التي ظهــرت في المراحل التمهيديـــة خلال الانتخابات العامة، حين تصبح نسبة المشاركة أعلى مستوى. بسبب قلة مراكز الاقتراع نتيجة انتشار وباء كورونا والحاجة إلى ترك مساحة فاصلة بين الناخبين وتراجع أعداد الموظفين في المراكز، قد يتحول يوم 3 تشرين الثاني إلى كارثة حقيقية تمتد تداعياتها حتى شهر كانون الأول. لتجنب هذه الفوضى، تقضي أفضل خطوة تستطيع الولايات اتخاذها بتوسيع عملية التصويت عن طريق البريد، علماً أن هذا الاقتراح أصبح محط نقاش في ولايات كثيرة.

لكن لن يكون هذا التغيير الوحيد كافياً، بل ثمة حاجة إلى ابتكارات أخرى. في ما يلي ست خطوات تستطيع الولايات اتخاذها لمنع انتشار الفوضى في يوم الانتخابات:

طباعة أعداد ضخمة من بطاقات الاقتراع الغيابي وإعادة المغلفات: إذا عجزت الولاية والمسؤولون عن إدارة الانتخابات المحلية عن تحمّل كلفة هذه العملية، يمكن عقد شراكات بين القطاعَين العام والخاص عبر استعمال موارد المؤسسات والشركات وجهات أخرى لإنجاز هذه العملية.

توفير أعداد كبيرة من بطاقات الاقتراع الغيابي في كل مركز اقتراع في أيام التصويت المبكر وفي يوم الانتخابات الأساسي، لا سيما في الدوائر الانتخابية التي تشهد تجمّع صفوف طويلة من الناخبين.

السماح للناخبين بالحصول على بطاقاتهم في مركز الاقتراع في حال عدم تلقيهم بطاقات الاقتراع الغيابي عبر البريد، فيملؤون البطاقات في المركز أو في مكان مجاور ثم يضعونها في وعاء آمن هناك. كذلك، يجب أن يُخصَّص لهم صف منفصل عن الناخبين الآخرين في مراكز التصويت لتقصير عملية الاقتراع على من لا يواجهون أي مشاكل. نجحت هذه الاستراتيجية في مقاطعة "كانتون" في كنتاكي خلال الانتخابات الأولية.

السماح لأي ناخب يخشى الانتظار في صف طويل لساعات عدة بملء بطاقة الاقتراع الغيابي وتقديمها في مركز التصويت. يتعين على الناخبين أن يؤكدوا، تحت طائلة عقوبة شهادة الزور، على أنهم مؤهلون للتصويت في تلك الدائرة الانتخابية.

في الولايات التي تتطلب المصادقة على تواقيع بطاقات الاقتراع الغيابي، يمكن توظيف كُتّاب عدل محليين لتقديم خدماتهم في مراكز الاقتراع التي تشهد زحمة كبيرة وتأخيرات دائمة.

حث المدارس الثانوية والكليات والجامعات على الاستعانة بالطلاب للعمل في مراكز الاقتراع بعد تدريبهم في المدارس ومكافأتهم على خدماتهم.

على صعيد آخر، يستطيع الكونغرس أن يتخذ الخطوتَين أدناه عبر تشريعٍ منفصل أو حزمة خاصة بالتعافي من أزمة "كوفيد - 19":

تخصيص مبالغ للمسؤولين عن إدارة الانتخابات كي يتمكنوا من توفير أعداد كبيرة من الصناديق المتاحة للناخبين لتسليم بطاقات الاقتراع عبر البريد باليد (بدأت ولايات عدة تطبّق هذه الطريقة اليوم، بما في ذلك واشنطن وبنسلفانيا وكونيتكت وكولورادو).

الطلب من خدمة البريد أن تختم جميع بطاقات الاقتراع التي تصل إليها. في الوقت الراهن، يُسلَّم جزء من البريد من دون ختم، ما يعني أن المسؤولين عن إدارة الانتخابات لن يعرفوا ما إذا كانت البطاقة التي تصل في وقت متأخر أُرسِلت بالبريد قبل إغلاق صناديق الاقتراع.

هذه الخطوات لن تحلّ جميع المشاكل الانتخابية المحتملة. بل تحتاج الولايات والحكومات المحلية إلى زيادة كبرى في التمويل لإنشاء البنية التحتية اللازمة لفرز الأصوات الهائلة عبر البريد هذه السنة، ما يعني أن نتيجة الانتخابات النهائية قد لا تصدر إلا بعد أيام على إغلاق صناديق الاقتراع. يتعين على الولايات والمقاطعات أن تراجع قوانينها الانتخابية كي تتأكد من قدرتها على تطبيق الأفكار الآنف ذكرها وتنظيم انتخابات احترافية وموثوق بها. لكن يجب أن تنفذ الولايات أيضاً جميع الخطط العملية التي يقترحها المدافعون عن حقوق التصويت لتجنب الفوضى التي رافقت الانتخابات الأولية في ويسكونسن وجورجيا.

يستطيع الكونغرس بدوره أن يؤدي دوراً بنّاءً عبر عقد جلسات استماع حول قانون الفرز الانتخابي وفرض تعديلات عند الحاجة قبل تشرين الثاني المقبل. قد تشمل تلك التعديلات زيادة مرونة التصويت، وتغيير المُهَل النهائية اللاحقة إذا لم ينتهِ فرز الأصوات بحلول كانون الأول، وتحسين التوجيهات المطروحة حول التعامل مع القوائم الانتخابية المتنازع عليها. إذا عجزت الولايات مثلاً عن إنهاء فرز أصوات الناخبين، هل ستبقى عتبة 270 صوتاً إلزامية للإعلان عن الفائز بالرئاسة؟ يجب أن يضع الكونغرس خططاً مسبقة لجميع الاحتمالات الواردة، بما في ذلك احتمال أن يمنع الوباء الكونغرس من عقد جلساته في التواريخ المحددة، بدءاً من تنصيب أعضائه في 3 كانون الثاني. وحتى لو بقيت الإجراءات التي يطبّقها الكونغرس في الوقت الراهن سارية المفعول في مجلس النواب على مستوى التصويت بالوكالة عن بُعد، إلا أنها لا تغطي بأي شكل إجراءات إنشاء كونغرس جديد حيث تغيب القوانين ويعجز جميع الأعضاء عن أداء اليمين الدستورية قبل تولي مناصبهم. في غضون ذلك، لا يحمل مجلس الشيوخ أي خطة طوارئ لمواجهة ظروف مماثلة.

إذا كان الأميركيون محظوظين بما يكفي، لن يتحقق أيٌّ من هذه السيناريوات المريعة. قد تكون الشوائب في إدارة انتخابات تشرين الثاني شبه مؤكدة، لكن نأمل أن يكون هامش المناورة في السباق الرئاسي، وفي استحقاقات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، واسعاً بما يكفي لتبديد أي تشكيك بهوية الفائز. لكنّ البلد الديمقراطي لا يستطيع الاتكال على الحظ. بل يجب أن تُبذَل جهود شاقة الآن لوضع خطط مسبقة تحسباً لأي طارئ.


MISS 3