لوسي بارسخيان

فضائح المسبح الأولمبي: نحو التوسّع في تحديد المسؤوليات والمحاسبة

في 15 كانون الأول من العام 2002، وُضع حجر الأساس للمسبح الأولمبي لمجمع إميل لحود في منطقة ضبية. تهافت ممثلو الرؤساء الثلاثة والنواب والوزراء حينها إلى موقع الحدث الذي وصفه ممثل رئيس الجمهورية، يوم كان للبلاد رأس، «محطة أساسية فارقة في مسيرة الإعمار الثابتة والمستمرة نحو الهدف المنشود».

كان تطلع اللبنانيين المنطقي من خلال هذا المشروع، نحو وضع بلدهم على خارطة دول العالم في إستضافة الألعاب الأولمبية. إلا أنّه بعد 22 عاماً من إنطلاقه، تبيّن أنّ الوقت لم يكن وحده ما هدر، وإنما نحو 20 مليون دولار من أموال اللبنانيين التي أنفقت على مشروع، لم يقدم سوى بُركتين غير مكتملتين، تعومان حالياً في بيئة من الإهمال، حوّلت المكان وفقاً لما وثقته كاميرات الصحافة «قن دجاج».

نتوقف على هذه الأطلال، ليس بمناسة الذكرى الـ18 لمحاولة تعويم المشروع عبر نقل تنفيذه من وزارة الشباب والرياضة إلى مجلس الإنماء والإعمار، وإنما بالتزامن مع مؤتمر صحافي مرتقب في الأيام المقبلة لرئيس لجنة الشباب والرياضة سيمون أبي رميا، سيعلن خلاله نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق التي إنبثقت عن اللجنة الأم لدراسة تفاصيل هذا الملف.

التقرير يوثّق نتائج دراسة ملفات المشروع وإفادات المعنيين به، وصولاً إلى العبر التي إستخلصتها اللجنة حول كيفية غرق المسبح الأولمبي المنشود بمستنقع الهدر والفساد، علماً أنّ جلسات الإستماع التي عقدتها اللجنة شملت المعنيين في وزارة الشباب والرياضة، ومن بينهم الوزراء الذين إرتبطت اسماؤهم مباشرة بالملف، إلى ممثلين عن مجلس الإنماء والإعمار، والشركات الخاصة التي وضعت الدراسات ونفذت وأشرفت على العمل. وعليه لم يعد ينقص ولادة التقرير النهائي، وفقاً لأبي رميا، سوى الإنتهاء من تفريغ محتويات جلسات الإستماع المسجلة، لضمها إلى الملف. أما الخطوة التالية، فهي إحالة هذا التقرير، إما للقضاء المختص، أو للجنة تحقيق برلمانية تأخذ صفة قضائية، أو إلى الإثنين معاً، تمهيداً لتحديد المسؤوليات الجرمية لكل من تورط في واقع المسبح الحالي، سواء بشكل مباشر، أو من خلال إهمال وتقصير ولامبالاة.

في الأثناء يتجنب أبي رميا الكشف عن تفاصيل الخلاصات التي توصلت إليها إستقصاءات اللجنة، إلا أنه يؤكد لـ»نداء الوطن» أنه بالحد الأدنى «بتنا متأكدين أن الدراسات التي وضعت للمشروع غير دقيقة، وأنه بالتأكيد هناك هدر، خصوصاً أن كلفة إكتمال المرحلة الأولى من المشروع حددت بنحو عشرة ملايين دولار، وإذا بها تبلغ حتى الآن 20 مليون دولار من دون أن نرى مسبحاً». وهذا ما يجعله لا يستبعد فرضيات الفساد قائلاً: «لا يعقل أن ينفق على مشروع من هذا النوع نحو عشرين مليون دولار حتى الآن، ويكون خالياً من مزاريب الفساد».

ماذا في تفاصيل هذه الدراسات «المدمرة»؟ لدى الحديث عن مشروع المسبح الأولمبي، يتبين أن هناك مرحلتين من الدراسات والإستشارات والتنفيذ وبالتالي هدر المال العام.

المرحلة الأولى مع وزارة الشباب والرياضة

خالفت الوزارة في عهدة الوزير سيبوه هوفنانيان قرار مجلس الوزراء بإستدراج العروض لتنفيذ المشروع، وسارت بعقود تراض شملت إلى جانب عقد المتعهد المنفذ للمشروع عقدي وضع الدراسات للمسبح بقيمة 110 آلاف دولار والإستشاري بمئتي الف دولار.

إنطلقت مرحلة التنفيذ في العام 2014 وكان يفترض ان تنتهي في غضون 19 شهراً بعد أن جرى تمديدها من 15 شهراً. خلال هذه المرحلة طلبت الشركة المتعهدة بتعديلات تؤمن تطابق بنية المسبح مع مواصفات المسابح الأولمبية، إلا أن الإستشاري لم يستجب لهذا الطلب، بذريعة أنه مخالف لدفتر الشروط، علماً أنّ الدراسات لم تزوّد المتعهد أيضاً بخرائط إلكتروميكانيكية وفقاً لطلبه. توقف الأعمال لم ينته بتحقيقات تبيّن الخلل، أو أقله بمراجعة للحقوق المتوجبة. فسددت الدولة مبلغ 8.5 ملايين دولار مقابل فسخ عقود تنفيذ المشروع رضائياً، ومن دون أن تتسلم مسبحاً أولمبياً أو أقله ما يشبهه. وبالموازاة إنتقل ملف المشروع إلى مجلس الإنماء والإعمار بناء لطلب تقدم به وزير الشباب والرياضة حينها أحمد فتفت.

المرحلة الثانية في مجلس الإنماء والإعمار

في حزيران 2006 كلّف مجلس الإنماء والإعمار من قبل مجلس الوزراء بـ»إستكمال الدراسات، وتحديثها حيث يلزم، وإعداد الدراسات اللازمة لإكمال المشروع، وتنفيذ الأشغال المتبقية الملزمة، أو التي سيتم تلزيمها، وكذلك الإشراف على تنفيذ الأشغال حتى إكمال المشروع وتحقيق الغاية منه». وعليه لم تستأنف ورشة إنشاء المسبح من حيث إنتهت، بل تطلبت أولاً هدم بعض ما أنجز في مرحلة تنفيذها من قبل وزارة الشباب والرياضة، لتتطابق الأشغال مع الدراسات التي كلف بها إستشاري جديد بمبلغ 458 ألف دولار.

قسّم تنفيذ الأشغال في عهدة مجلس الإنماء والإعمار على مرحلتين وحددت قيمة تنفيذ المرحلة الأولى بـ9.8 ملايين دولار. خلال هذه المرحلة طلب الإتحاد اللبناني للألعاب الأولمبية إجراء تعديلات في الأشغال لإعتماد الجيل الجديد في تركيب الأحواض، إلا أنه لم يتم تحويل إعتمادات إضافية لمجلس الإنماء والإعمار، فأهمل الموقع ودخل في سبات عميق.

على رغم الهامش الزمني الطويل الذي دارت فيه فصول غرق المشروع بالفشل، كان لافتاً أن لا يتم تحريكه قضائياً أو من جانب الهيئات الرقابية أو حتى اللجان النيابية، إلا على أثر زيارة ميدانية للمنشآت الرياضية قامت بها لجنة الرياضة والشباب، وانتهت إلى تفجير فضائحه المدوية.

وفقاً لأبي رميا، «كان الهم الأول وسط العقبات التي إعترضت تنفيذ المشروع تأمين التمويل لإكماله، ولكن عندما إكتشفنا هول الكارثة المالية التي تسبب بها من دون أن يولد مسبح، برز التوجه لدراسة معمقة يجب أن نستخلص منها العبر، لنحدد الإرتكابات والمسؤوليات، قبل الإنصراف لتأمين الإمكانيات المالية من أجل إكمال المشروع».

في المقابل يبدو أنّ جسم مجلس الإنماء والإعمار اللبيس، جعله يتعاون بإيجابية مع الاستفسارات، حتى لا تلصق به الشبهات التي تدور حوله، وهو بالتالي أحال إلى لجنة تقصي الحقائق الملف الذي كوّنه حول المشروع مع دراساته، وشكل هذا الملف ركيزة للتوسع في التقصيات، علماً أنه وفقاً لأبي رميا، لم يظهر تمنع من قبل الأطراف المعنية به في تلبية دعوة اللجنة، ولم يتغيب عن جلسات الإستماع سوى ممثل لإحدى الشركات الخاصة، الذي تم التواصل معه هاتفياً فقط.

تحرّك ديوان المحاسبة

وبينما شارفت لجنة التقصي على إعلان نتائج جهدها الذي إستغرق أشهراً، يبدو أنّ تحركها لن يكون يتيماً على صعيد السلطات الرقابية والقضائية، وإن كان التواصل معها مقطوعاً حتى الآن. وإذ يقول أبي رميا إنّه سمع عن تحرك للقضاء المالي وديوان المحاسبة للتحقيق في هذا الملف، ذكرت معلومات لـ»نداء الوطن» أن ديوان المحاسبة عيّن خبراء لرفع تقرير حول هذا الملف حتى يتحرك على ضوء النتائج التي سيتم التوصل إليها، وبالتالي يضع تقريره الذي يحدد المسؤوليات.

تحقيق ديوان المحاسبة قد يكون مكملاً لعمل تقصي الحقائق، أو يكون الأول مكملاً لعمل الثاني، وفي الحالتين يخلص أبي رميا إلى أن «النتائج المحققة يجب أن تنتهي بعقوبات مالية، يؤمل أن يسمح مردودها بإسترداد ما هدر لإستكمال أعمال بناء المسبح». علّ ركائز هذا المسبح تثبت أخيراً على ركائز دقة الدراسات، شفافية الإنفاق، والمحاسبة والعقاب.