رهان على التوجه اليساري للديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية!

10 : 38

انطلقت معركة الرئاسة للعام 2020. يبحث المعسكر الديموقراطي ذو الميول اليسارية عن رجل أو امرأة لهزم ترامب. لكن لا تبدو مهمّته سهلة بأي شكل... 10 مرشحين شاركوا في المناظرة الأولى في 26 حزيران، في ميامي. لا أحد يعرف ما إذا كانت التطورات الحاصلة نذير خير! في مطلق الأحوال، لم يسبق أن طرح أي حزب هذا العدد من المرشحين في المرحلة الأولى لإزاحة رئيس منتهية ولايته. قبل عام ونصف من موعد الاستحقاق الانتخابي في 3 تشرين الثاني 2020، شهدت الانتخابات التمهيدية في المعسكر الديموقراطي إقبالاً شديداً، فترشّح عدد قياسي وصل إلى 24 شخصاً، منهم سبعة أعضاء في مجلس الشيوخ، وست نساء، وشخصيات من نيويورك وكاليفورنيا وتكساس، وحاكما كولورادو وواشنطن، وثلاثة أميركيين من أصل أفريقي، ومرشّح لاتيني واحد، وأخيراً وليس آخراً نائب الرئيس السابق جو بايدن. تشكّل هذه الظاهرة إثباتاً جديداً للحيوية الديموقراطية الأميركية، لكنها تشير في الوقت نفسه إلى تغيّر عميق في تقاليد الحياة السياسية خلال عهد ترامب.


كامالا هاريس


أعداد مضاعفة من الاشتراكيين الملتزمين

يقول مستشار سياسي من واشنطن فضّل عدم الإفصاح عن هويته: "يدرك الجميع أن الحزب الجمهوري، في عهد ترامب، رسّخ توجهاته اليمينية". لكن لا يقتصر الوضع على ذلك! من خلال طرح خطاب متطرف وكتابة تغريدات مدوّية واتخاذ قرارات جذرية في ملفات النظام الضريبي والهجرة والعلاقات الدولية وسواها، غيّر ترامب أيضاً ميول خصومه ووجّه مركز الثقل في حزب جون ف. كينيدي نحو أقصى اليسار. بعدما كان بيرني ساندرز الرجل الوحيد الذي يعتبر نفسه اشتراكياً في العام 2015، يشاركه اليوم مرشحون آخرون هذا الموقف السياسي، بدءاً من السيناتورة إليزابيث وارن من "ماساتشوستس"، علماً أنها أعلنت نفسها عدوّة الإجراءات المالية.

يقترح برنامجها المفصّل استبدال التأمين الصحي الخاص الذي يدرّ "أرباحاً فاضحة" بضمان اجتماعي عام على الطريقة الأوروبية. في هذا المجال، تكمن المشكلة الوحيدة في الكلفة الهائلة المترتبة على هذا القرار. لكن تفكّر المرشّحة بتمويل المشروع عبر فرض ضريبة على الثروات، لكنها خطوة مستحيلة طبعاً من الناحية السياسية، وفق صحيفة "بوليتيكو"، ومثيرة للجدل من الناحية الدستورية.


بيرني ساندرز


اقتراحات بفتح الحدود...

لاحظت الولايات المتحدة بكل وضوح ترسّخ النزعة اليسارية في الحزب الديموقراطي في 26 حزيران الماضي، خلال الأمسية الثانية للمناظرة الأولى التي تسبق الحملة الديموقراطية، علماً أنها انقسمت إلى جزءين نظراً إلى أعداد المرشحين الهائلة. في ذلك المساء، حين سألت المقدّمة المشاركين العشرة إذا كانوا يؤيدون عدم تجريم الهجرة غير الشرعية، رفع الجميع تقريباً أيديهم في إشارةٍ إلى موافقتهم على هذا الطرح، من دون مراعاة القلق الناجم عن زيادة الاعتقالات على الحدود المكسيكية، بمعدل يفوق المئة ألف شهرياً، وهو عدد غير مسبوق منذ العام 2007. إذاً أصبح عبور "ريو غراندي" بطريقة غير شرعية مجرّد جنحة بسيطة، يمكن أن يقتصر عقابه يوماً على غرامة صغيرة.

يوضح العالِم السياسي أندرو ج. بولسكي، من كلية "هانتر" في نيويورك، حيث يطلّ مكتبه على جادة "ليكسينغتون": "هذه الفكرة نبيلة حتماً، لكنّ أثرها الإيجابي ليس مضموناً على المستوى السياسي المحض". حين يتكلم الديمقراطيون عن فتح الحدود وإلغاء "إنفاذ الهجرة والجمارك" (وكالة شرطة الجمارك ومراقبة الحدود) أو تسهيل شروط طلب اللجوء، لا يستفزون بذلك مناصري ترامب فحسب، بل يثيرون قلق قاعدتهم الانتخابية أيضاً.

عملياً، يواجه الديموقراطيون صعوبة يتجنبها الحزب الجمهوري. تتألف قاعدتهم الانتخابية المتنوعة من ناخبين يحملون أحياناً قيماً مختلفة لدرجة أنّ المرشحين يضطرون لإقناعهم جميعاً في الوقت نفسه. إلى جانب النخب على الساحلَين المحيطيّين، يُضاف شباب الألفية الثائر على التغير المناخي، والأميركيون من أصل أفريقي، واللاتين، ولا ننسى طبعاً الطبقة العاملة التابعة لنقابة "الولايات الصناعية في الغرب الأوسط" ("ميشيغن"، "أوهايو"، "ويسكونسن"...). لزيادة فرص الفوز في الانتخابات، يجب أن يتمكن كل مرشح ديموقراطي من إيجاد "توليفة شاملة" لإرضاء جميع الأطراف. نجح كل من بيل كلينتون في العام 1992 وباراك أوباما في العام 2008 في تحقيق هذا الهدف.جو بايدن... مرشّح قوي بما يكفي؟

حتى الآن، يبدو جو بايدن أبرز مرشّح قادر على إقامة التوازن المطلوب. وحتى بيت بوتيجيج، عمدة "ساوث بند" ("إنديانا") الموهوب، يستطيع النجاح حتماً، لكن يتعيّن عليه أولاً إثبات قوته. ماذا عن السيناتورة الوسطية المعتدلة إيمي كلوبشر؟ نظرياً، يمكنها أن تنجح لكنّ ثقلها السياسي ضعيف. لِنَعد إلى بايدن إذاً! إنه سياسي مخضرم وذكي وواثق من نفسه ومعروف بقدرته على التفاوض. باختصار، يحمل هذا الرجل "مواصفات رئاسية"، ويتصدر السباق بنسبة 27% من الأصوات في الاستطلاعات، يليه بيرني ساندرز (15%)، وكامالا هاريس (14.5%)، وإليزابيث وارن (13.5%)، وبيت بوتيجيج (5%).

لكن يواجه النائب السابق للرئيس باراك أوباما مشكلة لأن الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي بين العامين 2019 و2020 تبدو أشبه بأداة مُبرمَجة لخسارة الانتخابات. يوضح أندرو بولسكي: "لإثبات الذات في هذه المعركة واستمالة الرأي العام، يجب أن يتبنى المرشحون مواقف متطرفة ويهاجموا منافسيهم بشراسة". في هذه اللعبة، تتفوق كامالا هاريس، النائبة العامة السابقة في كاليفورنيا. في المناظرة المتلفزة الأولى مثلاً، هاجمت جو بايدن بسبب مواقف قديمة أطلقها منذ عقود. خلال السبعينات، عارض السيناتور بايدن قانوناً فدرالياً لجعل تمويل النقل المدرسي إلزامياً، بدل ترك حرية القرار للولايات.


جو بايدن


لكن هاريس ذكرت أيضاً أن موقف بايدن يشبه موقف شخصَين تمّ انتخابهما رغم تأييدهما للفصل العنصري، ما يوحي بأن نائب الرئيس أوباما كان عنصرياً. إنها فكرة خاطئة، لكن كامالا ضاعفت شعبيتها بفضل هذا الصدام خلال أمسية واحدة. يقول ليوبولدو مارتينز، أحد رؤساء "التجمّع اللاتيني" (يمثّل الأقلية اللاتينية) ضمن "اللجنة الوطنية الديمقراطية" (تتولى قيادة الحزب): "لقد تفوقت بالكامل على بيرني ساندرز وإليزابيث وارن. اليوم، يترقب الناس مبارزة قوية بين بايدن وهاريس".

لكن هل يتمتع جو بايدن السبعيني بقوة كافية لمحاربة دونالد ترامب؟ في اليوم الذي تلا المناظرة، كتبت عنه صحيفة "نيويورك تايمز": "تبيّن أنه بطل غير مثالي كونه يعجز عن التنقل بين التيارات المتناحرة في الحزب أو جذب اهتمام الناس بقدر منافستَيه اليساريتين إليزابيث وارن وكامالا هاريس". استنتجت الصحيفة في النهاية: "ربما بدا جو بايدن السياسي الذي يُفترض أن يحتوي النزعة اليسارية المفرطة في الحزب، لكن اتّضحت للتو حدود قدراته بأقسى طريقة".ستُقام مناظرتان جديدتان قبل انطلاق الانتخابات التمهيدية رسمياً، في كانون الثاني 2020، في "أيوا". حتى ذلك الوقت، سيتم إقصاء عدد من المرشحين. يعلّق ليوبولدو مارتينز: "للبقاء في سباق "اللجنة الوطنية الديموقراطية"، يجب أن يحصد المتنافسون مستوىً معيناً من الشعبية التي تُقاس في أربعة معاهد متخصصة باستطلاعات الرأي، ويجب أن يثبتوا قدرتهم على جمع التبرعات الانتخابية". في هذه المرحلة، يمكن تشبيه مسار الانتخابات التمهيدية بتصفيات كأس العالم في كرة القدم. يوضح عالِم السياسة أندرو بولسكي: "يجب ألا يحاول كل فريق تقديم أداء جيد أو الفوز بجميع المباريات، بل يكفي أن يحافظ على ثباته ويتأهل للمرحلة المقبلة".


بيت بوتيجيج


ضعف شعبية ترامب لا يضمن فوز خصومه!

يستفيد دونالد ترامب من جهته من غياب الخصوم في معسكره، ومن المعروف أن الرؤساء الأميركيين في نهاية ولايتهم يُعاد انتخابهم دوماً في ظروف مماثلة. لكن من حسن حظ الديموقراطيين، لا يحظى سيّد البيت الأبيض بأي شعبية، بعد ثلاث سنوات على انتخابه، لأنه يطرح نفسه كرئيس عدائي وغير متّزن ونرجسي ومخادع. نتيجةً لذلك، أعلن 57% من الأميركيين أنهم لن يصوّتوا له مطلقاً. لكن هل سيعطون أصواتهم لمرشّح ديموقراطي يساري بامتياز؟ اختصر جيمس كارفيل، مهندس الفوز الذي حققه الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون في العام 1992، التحدي القائم في الانتخابات الرئاسية للعام 2020 بصيغة جميلة، فقال: "إنها انتخابات يعجز ترامب عن الفوز بها، لكن يسهل أن يخسرها الديموقراطيون"!


MISS 3