ريتا ابراهيم فريد

تطوّعوا لإعادة البسمة إلى الوجوه بعد الانفجار

أطباء يمحون جروح الجسد والروح

3 أيلول 2020

02 : 00

ترك انفجار المرفأ آثاره على وجوه وأجساد آلاف الضحايا. تشوّهات وندوب وكسور تعكس بشاعة هذه الجريمة، وتحفر جرحاً عميقاً في القلب من الصعب تجاوزه. وفي ظلّ عشرات المبادرات الخيّرة لجمعيات وأفراد أيقنوا أنّ السبيل الوحيد لإعادة الحياة والنهوض يكون بالتكاتف بين بعضنا البعض، ظهرت أيضاً مبادرات لأطباء أعلنوا عن تقديم خبراتهم مجاناً في مجال الترميم والتجميل، محاولين التخفيف قدر الإمكان عن كثيرين تضرّرت وجوههم وأجسادهم في هذا الانفجار، علّ ذلك يساعد قليلاً على تضميد الجروح النفسية والداخلية التي تركتها هذه الكارثة.



دكتور جو بارود: مسؤوليتنا أن نتساعد في هذا الوقت الصعب



مبادرة لافتة أطلقها الإختصاصي في الجراحة التجميلية والترميمية الدكتور جو بارود، حيث قرّر أن يفتح عيادته كي يقدّم خدمات الترميم والتجميل المجاني لجرحى ومصابي انفجار بيروت. ويشير في هذا الإطار الى أنّ فكرة المبادرة أتت بشكل عفويّ بعد أن أمضى الليلة الأولى من الإنفجار في المستشفى الذي يعمل فيه في بيروت حيث كان يحاول المساعدة. وعندما خرج وشاهد الدمار، شعر بأنّه لم يقدّم بعد ما يكفي للمتضرّرين. فوُلِدت هذه الفكرة من القهر أولاً، ومن الإندفاع ثانياً، وقرّر أن ينشر "بوست" على إنستغرام يدعو فيه الناس الذين يعانون من جروحات بالغة لأن يتصلوا به على رقمه الخاص.

وتجدر الإشارة الى أنّ الدكتور بارود حين كان لا يزال في قسم الترميم والتجميل في الجامعة الأميركية في بيروت كان قد عالج كل أنواع الجروحات الناتجة عن الحروب، ومن بينها حرب تموز في العام 2006 وإشتباكات عرسال. وعن التشابه بين مشاهد الأمس واليوم، يشير الى أنّ الجروح تختلف بين جروح عسكرية ومدنية. فالجروح الناتجة عن انفجار المرفأ مختلفة عن تلك التي تتسبّب بها الإنفجارات المباشرة على الجسم. وفي حرب تموز كانت معظم الإصابات على شكل حروق أو تضرّر من الردم، أما اليوم فالإصابات بغالبيتها هي بفعل تهشّم الزجاج.

من جهة أخرى، أشار الى أنه في ليلة الإنفجار كان الطاقم الطبي لا يزال أيضاً تحت تأثير الصدمة، حيث تواجد أكثر من 3000 جريح خلال ثلاثين ثانية على باب المستشفى، وبعض المصابين كانوا بحاجة الى عناية أكثر من غيرهم، فأعطيت الأولوية لهذه الحالات في المرحلة الاولى. وبالتالي فالأشخاص الذين كانوا يعانون من جروح لا تؤثّر على حياتهم، كان يتمّ تقطيبهم بشكل سريع جداً لإتاحة المجال لمساعدة أكبر عدد ممكن من الناس وإنقاذ أكبر عدد من الأرواح. وأوضح: "من هُنا لا يمكن أن نقول أنّ العمل السريع يشكّل خطورة، إنّما الخطورة كانت تكمن في عدم العمل وعدم التصرّف". وتابع: "المهمّ أن نقوم اليوم بتنظيف الجروح وإعادة وصل الأطراف بطريقة دقيقة، تفادياً لمضاعفات شكلية لجهة اللون الأسود الذي قد يظهر لو لم يكن الجرح نظيفاً، أو لناحية ظهور الندوب التي قد تكون غير سليمة في حال لم يتمّ وصل الأطراف بشكل جيد". وأكّد الدكتور جو أنّ هؤلاء الناس خسروا منازلهم وأحبّاءهم وتعرّضوا لصدمة كبيرة، وإضافة الى ذلك لديهم أضرار وتشوّهات، "من هنا مسؤوليتنا أن نقف الى جانبهم وأن نتساعد جميعنا في هذا الوقت الصعب".






دكتور أنيس مراد: المبادرات الإنسانية تساعد صاحبها أيضاً على الصمود



ليلة وقوع إنفجار المرفأ في الرابع من آب، توجّه الإختصاصي في جراحة وترميم الوجه الدكتور أنيس مراد فوراً الى بيروت كي يساعد الطاقم الطبي في المستشفيات التي كانت تستقبل الجرحى. وفي اليوم التالي، ومنذ الساعة السادسة صباحاً رافق زملاءه المتطوّعين في جمعية «دفى» لتقديم المساعدات لناحية تنظيف الركام وتأمين الطعام للمتضررين. وبعد مرور يومين أو ثلاثة، أحسّ برغبة في القيام بخطوة ما تجاه المصابين الذين تعرّضوا لتشوّهات في وجوههم، إذ كان يدرك جيداً أنّ هذه المبادرة قد تساعد كثيراً على تحسين وضعهم النفسي بعد الصدمة التي تعرّضوا لها إثر الإنفجار. وبعد أن سمع بالمبادرة التي أطلقها الدكتور جو بارود في عيادته في بيروت، تواصل معه كي يعملا سوياً، لا سيما وأنّ عيادة الدكتور مراد خارج العاصمة، وسيكون من الصعب على المرضى أن يتوجّهوا إليها.

وأوضح: «نحن نستقبل اليوم عدداً كبيراً من المرضى ونقوم بترميم وجوههم مجاناً. هذا العمل يمدّني بسعادة كبيرة، خاصة عندما ألمس تحسّناً ملموساً على الصعيد النفسي للمصابين». وأضاف أنّ القصص التي يسمعها من الجرحى بمعظمها مؤلمة، لكنّ سيدة أثّرت به أكثر من غيرها، إذ أصيبت بيديها جراء تهشّم الزجاج، فكانت تبكي من شدّة خوفها على مستقبل أولادها ومن عدم قدرتها على الاستمرار في العمل وإعالة أسرتها، لا سيّما وأنّ مهنتها يدوية. من جهة أخرى، تحدّث الدكتور أنيس عن العمل التطوّعي النابع من القلب الذي يعطي صاحبه سعادة مجهولة المصدر، وراحة نفسية وتصالحاً مع الذات، وتابع: «يُقال أنّ الذي يعطي هو من يشعر بالسعادة وليس الذي يأخذ. نحن في لبنان نمرّ منذ فترة بأوقات عصيبة للناحية الأمنية ولناحية غلاء المعيشة وارتفاع سعر الدولار وعدم وجود وظائف مناسبة، وكنت دوماً أقول لأصدقائي إني قد أغادر لبنان لو حصل أمر ما. لكن بعد وقوع الانفجار امتلأتُ بقوة غريبة وبإصرار على المساعدة وتقديم يد العون للآخرين، الأمر الذي ساعدني على الصمود أمام كل المآسي التـي نمرّ بها».






دكتور روبير صاصي: مبادرة ألمانية إيطالية لعلاج المصابين


وفي السياق، انتشرت أيضاً على مواقع التواصل الإجتماعي منشورات عن مبادرة لزراعة أطراف اصطناعية في ألمانيا وإيطاليا للمصابين في انفجار بيروت الذين تعرّضوا لبتر في الأعضاء، مرفقة برقم رئيس قسم الأطفال في مستشفى الكرنتينا الدكتور روبير صاصي للمراجعة. وفي اتصال مع «نداء الوطن» أشار الدكتور صاصي الى أنّ هذه المبادرة لا تقتصر فقط على تركيب الأطراف الإصطناعية، إنما تشمل أيضاً معالجة الأطفال المصابين من جميع النواحي، وشدّد على أنها مخصّصة حصراً للذين أصيبوا في الإنفجار. وأضاف: «تواصل معي عدد كبير من المؤسسات الراغبة في معالجة الأطفال الذين تأذّوا في الانفجار، كما أعلنت السفارتان الإيطالية والألمانية عن استعدادهما للمساعدة. وبالتالي فأنا أعمل كهمزة وصل بين المصابين والجمعيات، وقد أمّنتُ تواصلاً مباشراً لعدد من الأشخاص مع هذه الجمعيات». وأوضح أنّ الجمعية الألمانية قدّمت عشرة أسرّة لمعالجة الأطفال على نفقتها الخاصة، لكنها قد تعالج مصابين آخرين من غير الأطفال أيضاً، من الذين أصيبوا في هذا الانفجار، لا سيما أنّ عدد الاتصالات التي تلقاها عن إصابات الأطفال قليلة نسبياً.

ولا بدّ من الإشارة الى أنّ الدكتور صاصي الذي كان قد ظهر في عدد من اللقاءات التلفزيونية وبدا متأثّراً بالدمار الهائل الذي أصاب مستشفى الكرنتينا الحكومي، علماً أنه كان قد بذل جهداً كبيراً لتحسينه خلال السنوات الماضية، أشار الى أنّ السفارة الايطالية ستساعد في ترميم جزء من المستشفى، وهم اليوم بصدد جمع الأموال من عدد من المؤسسات لإعادة إعماره.







MISS 3