تخسر عكار سنويّاً مئات الهكتارات من مساحتها الحرجية بسبب الحرائق والقطع الجائر، والحبل على الجرار، بغياب خطة واضحة لدى الدولة لحماية مواردها الطبيعية. وفق خبراء بيئيين، ستعاني المنطقة في غضون سنوات قليلة، من أزمة تصحّر، إذا استمرّت الأمور على هذه الوتيرة. بين الحرائق التي تلتهم سنويّاً مساحات شاسعة من الغابات، وبين القطع الجشع للأشجار الذي تمارسه عصابات مجهولة معلومة، فإنّ الغابات في عكّار اليوم ضحية لا منقذ لها، وسط تراخٍ أمنيّ وقضائيّ من جهة، وتواطؤ من بعض السلطات المحلية حيال الجرائم التي تُرتكب بحقّ الطبيعة من جهة أخرى، من دون أن يدرك هؤلاء ماهيّة الكوارث التي ستتأتّى من وراء هذا الإجرام.
يقترب موسم الشتاء ولا تزال الحرائق تلتهم أحراج عكار وغاباتها، وآخر فصولها حريقان، واحد في أحراج حرار وآخر في أحراج عكار العتيقة. يمكن القول إنّها كانت من أقسى الحرائق التي شهدتها المنطقة ولم تستطع فرق الدفاع المدني و"درب عكار" و"المستجيب الأوّل" من السيطرة عليها إلّا بشقّ الأنفس وبمؤازرة الجيش اللبناني.
تجدر الإشارة إلى أنّ الحرائق التي تحصل وتقضي على الكثير من المساحات الحرجية، لا سيّما أشجار الزيتون والشوح واللزاب والبطم والصنوبر البرّي والسنديان وغيرها، هي حرائق مفتعلة بجزء كبير منها، من أشخاص، بهدف السيطرة على مشاعات عامة أو لإنتاج فحم المشاحر، أو لإحراق النفايات المتراكمة في البساتين والأراضي.
يلفت رئيس جمعية "درب عكار" الخبير البيئي علي طالب إلى أنّ "بعض الأشجار التي تمّ قطعها أو حرقها، تحتاج إلى أكثر من مئة عام لكي تنمو مجدّداً، ناهيك بالتغيّر البيولوجي وفقدان أنواع كثيرة من الطيور والأزهار المهمّة للتنوّع النباتي والبيولوجي، والتي تنفرد فيها غابات عكار". وأشار إلى أنّ فريق "درب عكار" الذي أخذ على عاتقه منذ سنوات التحرّك لحماية البيئة من الحرائق والقطع والحفاظ على الغطاء الشجري والنباتي، أحصى خسارة 2645 هكتاراً من مساحة عكار الحرجية في العام 2021، مع العلم أنّ هذه النسبة تضاءلت نسبيّاً، مع تشكّل فرق تطوّعية من أبناء المنطقة، عملت على مكافحة الحرائق ومساعدة جهود الجيش اللبناني والدفاع المدني على إخماد الحرائق التي تحصل في المنطقة. لكنّ هذه الفرق (درب عكار والمستجيب الأول) تحتاج إلى دعم، وبغياب الدولة تكاد هي الوحيدة التي تساهم في الحدّ من الخسائر الطبيعية.
ويكشف طالب أنّ "خسارة عكّار هذه السنة تُقدّر بـ300 هكتار، وهذه المساحة مرشّحة للارتفاع طالما أنّ موسم الحرائق وأسباب اشتعالها لم تنتفِ، بالإضافة إلى أن القطع الجائر يزداد هذه الفترة مع اقتراب موسم الشتاء".
إذا كانت إسرائيل، هي التي تحرق أشجار الجنوب ومواسمه، فإن أشجار عكّار وغاباتها يتمّ القضاء عليها بأيدي أشخاص مستهترين من أبنائها، لا تهمّهم إلّا مصالحهم الشخصية. وتشير الناشطة البيئية زينة الياس إلى أنّ "ما يحصل من كوارث بحقّ الطبيعة والمساحات الشجرية في عكّار يستدعي خطة حكومية مستعجلة وطارئة، تأخذ في الاعتبار، الحفاظ على ثروة المنطقة الطبيعية وأشجارها المعمّرة، وإلّا فإن المنطقة مقبلة على تصحّر، وهو ما يفسّر التقلّبات المناخية التي لم تعهدها المنطقة".
بحسب ناشطين بيئيين، فإنّ المجرمين بحق الطبيعة يسرحون ويمرحون، لا تشديد أمني ولا عقوبات ولا غرامات، والقضاء لا يقوم بواجبه كاملاً. قبل نحو 3 أشهر قام شخص من قرية بزال بحرق نفايات متكوّمة فامتدّت ألسنة اللهب وقضت على مساحات واسعة من أحراج قبعيت، بينما بقي الرجل حرّاً طليقاً. حتى الآن لا تزال حركة الأجهزة الأمنية بطيئة كما القضاء تجاه هؤلاء، فيما الطبيعة تدفع الثمن.