بعد أن اعتقد الكثيرون أن السادس من كانون الثاني (يناير)، قضى عليه سياسياً، عاد دونالد ترامب رغم كل التوقعات لكن ليس ضدّ كل الاحتمالات. سبب عودته بسيط، استطاع التعبير بوضوح عن استياء الفئات المتضررة من الاقتصاد المتهالك والضرائب المرتفعة والتضخم، وأزمة الحدود المتمثلة بتدفّق الملايين من المهاجرين غير الشرعيين الذين ساهم العديد منهم بتهريب مادة "الفانتانيل" المخدّرة إلى داخل الولايات المتحدة، والتي تسببت بوفاة 74702 شخص فقط في سنة 2023، إضافة إلى تمويل إقامة هؤلاء المهاجرين من أموال دافعي الضرائب الأميركيين. من جهة أخرى، ربح ترامب تعيينه كمرشّح للجمهوريين بالطريقة الصحيحة، بينما قدّم هذا التعيين لكمالا هاريس من خارج الأطر المعمول بها وليس عبر انتخابات تمهيدية، وذلك بهدف تجنّب الخسارة الحتمية التي كانت ستحصل بسبب جو بايدن وتقدّمه في السّن وفقدانه لقدراته المعرفية.
أمّا بالنسبة لسياسة ترامب الخارجية، فاستراتيجيته لمواجهة التحدّيات الحالية جذبت الناخب الأميركي لأنها بكلّ بساطة رافضة للحروب وترتكز على السلام عبر القوة. وقد عرف خلال عهده تجنّب الحروب، من خلال إبراز المصداقية في التصدّي لأيّ عمل عدائي.
على هذا الصعيد، لم تستطع هاريس أن تدعي أنها مرشحة التغيير، هي التي ما زالت ضمن الإدارة الحالية التي شهدت على اندلاع حروب متعددة ناتجة عن فشل مبدأ الردع والضعف الذي أظهرته إدارة بايدن سواء خلال الانسحاب من أفغانستان أو عندما واجهت الأزمة الأوكرانية وصولاً إلى إعلان الحرب من قبل روسيا، وانتهاء بحرب غزّة ولبنان حيث تكلّل هذا الفشل بعدم القدرة على ردع إيران ووكلائها أو التأثير على إسرائيل لكي تضع ضوابط للعمليات العسكرية. ومن بين الأسباب التي أدّت إلى خسارة هاريس، تخلّي الديمقراطيين التقليديين عن الحزب، عدم جهوزيتها للمهمة، وعدم تقديمها رسالة واضحة دفعها للتركيز فقط على ماضي ترامب متجاهلة الكلام عن مستقبل أميركا وعن القضايا التي يشكو منها الأميركيون وقد سبق وأشرنا إليها. أضف إلى ذلك مقاربة الديمقراطيين للقيم الاجتماعية ومسألة التحوّل الجنسي لدى الأولاد التي كانت من أهمّ الأسباب وراء تأييد المجتمعات الإسلامية لدونالد ترامب.
كيف سيتأثر لبنان بفوز دونالد ترامب؟ يأمل معارضو السيطرة الإيرانية خيراً من الإدارة الجمهورية، قد يترجم بسياسة مختلفة عن تلك التي مارسها جو بايدن الذي لطالما عمل على التقرّب من طهران وعلى إرسال إشارات للنظام الإيراني بأن واشنطن لن تجعله يدفع ثمن زعزعة الاستقرار الذي يتسبّب به لدى حلفائها، إضافة لاستمراره في تطوير قدراته النووية. كما أنّ إدارة بايدن رفضت تطبيق العقوبات التي من شأنها منع إيران من تمويل أذرعها، مما أدى إلى ارتفاع تصدير النفط الإيراني بعد هبوط تاريخي أصاب هذا القطاع خلال عهد ترامب وسياسة الضغوطات القصوى. لماذا حصل ذلك؟ بسبب مقاربة الاسترضاء، ولأنّ إدارة بايدن ضمّت قدامى فريق أوباما الذين اعتقدوا أنّه من الممكن المحافظة على الهدوء في الشرق الأوسط والتفرّغ لآسيا إذا ما تمّ رشوة إيران كي تحسن التصرّف. بالتالي كان من الطبيعي أن يتأثّر لبنان سلباً بتلك المقاربة التي وصلت أخيراً إلى نهايتها.