تصاعدت في الأيام الأخيرة وتيرة الخطاب التخويني لـ"الكتيبة الإعلامية الممانعة" ضد مؤسسة الجيش، ولا سيما عقب حادثة الإنزال الإسرائيلي في مدينة البترون. ومع أن هذا الخطاب موجه بالدرجة الأولى ضد العماد جوزاف عون، من أجل إخراجه من اليرزة لإضعاف حظوظه المرتفعة في انتخابه رئيساً للجمهورية، إلا أنه في العمق يسدد ضربة للمؤسسة العسكرية وشرعيتها الدستورية والوطنية لحساب الدويلة المترنحة.
وفي الوقت الذي يحارب فيه الجيش على جبهات عديدة، ويعد الضمانة شبه الوحيدة تقريباً التي تتمتع بموثوقية وطنية، نجد أن أتباع محور الدويلة يسخرون منه، وهي لازمة صاحبت صعود نفوذ "حزب الله"، في محاولة لوصم المؤسسة العسكرية بالعجز والضعف.
في كل دول العالم يعتبر الجيش رمزاً لـ"الفخر الوطني"، بمعزل عن قوته ودوره في المعادلة السياسية، إلا في الدول التي استباحها المشروع الإيراني، وأنشأ فيها دويلات موازية، فقد انحسر دوره مع سائر مؤسسات الشرعية في تشكيل مظلة دعم وإسناد لجماعات خارجة على فكر الدولة. وكذلك الحال، وإن بدرجة أقل، بالنسبة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" التي تتبنى خطاباً راديكالياً ضد كل مؤسسات الشرعية، انطلاقاً من رغبتها الجامحة في الوصول الى السلطة ليس إلا.
ها هي تركيا مثلاً التي لطالما كان فيها الجيش لاعباً سياسياً فاعلاً قاد عدة انقلابات على الحكومات المنتخبة، ومع ذلك فهو يحظى بإجماع سياسي وشعبي، ولم تنقص الإنقلابات من حجم "الفخر الوطني" به. وبالمثل أيضاً فإن قوى "14 آذار" ورغم كل مآخذها على الجيش في بعض المحطات الحساسة، خصوصاً إبان "غزوة 7 أيار"، إلا أنها كانت داعمة له وللمؤسسات الأمنية على الدوام.
وبالتالي، فإن ذريعة الموقف السلبي من ترشيح العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية ليست مبرراً للتهجم على المؤسسة العسكرية وتخوينها، فهي ليست ملكاً لقائدها ولا لأسلافه. والتمديد له اليوم ينطلق من أولوية الحفاظ على الإستقرار الذي يبذل الجيش مجهوداً مضنياً لحمايته في ظل أوضاع مالية بائسة.
ذلك أن الجيش هو حجر الزاوية في تثبيت السلم الأهلي، ومعالجة التهديدات المستجدة بفعل الحرب الإسرائيلية الوحشية، وما أفضت إليه موجة النزوح من احتكاكات طائفية أو مناطقية، وبالأخص إصرار "حزب الله" على تمرير صواريخه وأسلحته عبر بقع جغرافية حساسة. ناهيكم عن احتوائه تمدد "الحزب" العسكري جنوب نهر الليطاني، وغض البصر عن إشراكه بعض الجماعات المسلحة غير القانونية في قصف المستعمرات الإسرائيلية بشكل استعراضي. بالإضافة إلى قيامه بعمليات الإخلاء المعقدة والخطرة، مما أدى إلى استشهاد عدد من ضباطه وعناصره، ومع ذلك فإن "الحزب" وحاشيته الإعلامية يتهمونه بالتخاذل والإمتناع عن المساعدة في عمليات الإخلاء وحماية قوافل المساعدات!
ومن الأدوار الحساسة التي يقوم بها الجيش منذ انفجار موجة النزوح، حماية المقرات الرسمية والأملاك العامة والخاصة من سلوكيات فئة محدودة من النازحين لا تزال تعيش أسيرة "فائض القوة"، وتحظى بتشجيع وتحريض "الكتيبة الإعلامية الممانعة". من دون إغفال الدور البارز الذي يلعبه الجيش في ملاحقة الجرائم التي ارتفعت نسبها خلال السنوات الأخيرة، وحلها بشكل سريع، بما فيها جرائم الخطف مقابل الفدية التي ارتفعت وتيرتها في الأسابيع الماضية. فضلاً عن محاربة التنظيمات الإرهابية ومنعها من التمدد في لبنان، وسياسات الانفتاح على المؤسسات الدينية التي نتج عنها إنشاء آليات تعاون مشترك للتحوّط من الفتن، والحؤول دون إغراء بعض الفئات الشبابية وسقوطها في فخ تلك التنظيمات.
وعليه، فإن التمديد للعماد جوزاف عون على رأس المؤسسة العسكرية هو من أجل كل ما سبق وأكثر. هو تمديد لحماية الدولة ومؤسساتها الشرعية وليس لشخص القائد فقط، مع كل الاحترام له ولعطاءاته. فما بين فراغ في رئاسة الجمهورية، وحكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات ومكبلة بأمزجة وتأويلات ضيقة، ومجلس نيابي معطل، يغدو التمديد لقائد الجيش عملاً وطنياً يخرج عن إطار الحسابات السياسية الضيقة لهذا الفريق أو ذاك.