حدثان مهمان فرضا نفسيهما على صفحات الصحف العبرية في الأيام الأخيرة. الأول فوز الرئيس الجمهوري المُنتخب دونالد ترامب الساحق على غريمته الديمقراطية كامالا هاريس في السباق المحموم إلى البيت الأبيض، وهو انتصار وُصف بالتاريخي وأتى ليبدد نتائج استطلاعات الرأي التي تحدثت لأيام عدة عن تقارب شديد بين المرشحَين. وفي هذا السياق، وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عودة ترامب بأنها "أعظم عودة في التاريخ"، ما قد يدفعه إلى أن "يسكر" في "نشوة" انتصار الرئيس الأميركي المُنتخب.
أما الحدث الثاني البارز فهو إقالة نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت واستبداله بيسرائيل كاتس، قبل ساعات قليلة من فوز المرشّح الجمهوري، وهي خطوة أحدثت صدمة داخل المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية كما في الأوساط السياسية، رغم أن "غياب الكيمياء" بين الرجلين لم تكن خافية على أحد. ويُتوقع أن يكون كاتس أداة طيّعة في يد نتنياهو، لا بل أن يكون الأخير وزير الدفاع الفعلي، وبذلك يتحرّر من عبء معارضة غالانت الشديدة له.
سلطة من دون كوابح
صحيفة "هآرتس" تحدّثت في إحدى افتتاحياتها عن أن نتنياهو لطالما دعم ترامب وسارع إلى تهنئته بفوزه، واعتبرت أنهما يؤمنان بأفكار إنعزالية قومية كالكراهية للأجانب والإعجاب بالأثرياء واحتقار المؤسسات والقواعد والقوانين، وأنه بالنسبة إليهما، الضوابط والتوازنات ليست لهما، ويجب أن تكون سلطتهما من دون كوابح.
أضافت الصحيفة أن نتنياهو ورفاقه في الائتلاف يأملون في أن يدعم ترامب "النصر المطلق"، أي طرد الفلسطينيين من شمال القطاع وإقامة مستوطنات هناك، وضم المستوطنات في الضفة الغربية، وإقامة منطقة أمنية في لبنان، وربّما مهاجمة الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية. وختمت "هآرتس" بأن التحالف بين الإثنين يُشكّل خطراً على مستقبل إسرائيل والحرّية السياسية فيها، وعلى قدرتها على بناء مستقبل مع الفلسطينيين.
الكاتب إيتمار آيخنر رأى في "يديعوت أحرونوت" أنه بعد فوز ترامب، وخسارة بايدن أدوات الضغط على نتنياهو، يُمكن أن يُفكّر الرئيس الأميركي في الانتقام من رئيس الحكومة من خلال فرض حظر على السلاح، لكن يبدو أن بايدن لا يُريد أن يكون هذا إرثه.
وفي إطار منفصل، اعتبر آيخنر أنه بالنسبة إلى ترامب، يُشكّل اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل فرصة للحصول على جائزة "نوبل للسلام" ومحو الفضائح التي تحوم حوله. لكن إذا انتظر نتنياهو التطبيع مع السعودية من أجل المضيّ في صفقة تبادل أسرى، فهذا يعني الانتظار نصف عام آخر.
كارثة أمنية جديدة؟
قرار نتنياهو إقالة غالانت قُوبل بامتعاض شعبي تُرجم بتظاهرات غاضبة غصّت بها شوارع إسرائيل، كذلك أظهر استطلاع أجرته قناة i24NEWS بالتعاون مع معهد "ماجار موخوت" أن غالبية كبيرة من الإسرائيليين تعارض القرار. وكشف الاستطلاع الذي شمل زهاء 500 مشارك أن 52 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون قرار الإقالة غير مبرّر، بينما يؤيّده 32 في المئة.
خطوة إقالة غالانت انتقدها أيضاً بحدّة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين عبر قناة N12، واعتبر أنه لم يسبق أن شهدت إسرائيل مثل هذا الحدث، أن يُقيل رئيس وزراء، في ذروة حرب متعدّدة الجبهات، وزير دفاعه. وأضاف أن الانقسام الداخلي الذي يُثيره نتنياهو قد يؤدّي إلى كارثة أمنية جديدة، وأنه لا يُمكن لشعب إسرائيل أن يسمح لنفسه بأن يظلّ غير مبالٍ، في وقت يُقيل فيه رئيس الوزراء وزير دفاع ناجحاً في ذروة الحرب.
وفي "هآرتس"، رأى الصحافي يوسي فيرتر أن خطوة الإقالة تأتي في سياق التحوّلات السياسية الكبرى التي تشهدها إسرائيل وأن القرار هو محاولة من نتنياهو للسيطرة على كلّ المراكز التي قد تعارض أجندته. ووصف الإقالة بالعمل الجنوني، واعتبر أن نتنياهو مصمّم على الانحطاط، ويقود إسرائيل إلى الهاوية، وكل يوم يقضيه في السلطة هو بائس لإسرائيل ومستقبلها.