مع انطلاقة مُتجدّدة تأتي "نداء الوطن"، وقد استكتبتني في مطلع التسعينات، يوم كنت طالب حقوق في جامعة القديس يوسف، وما أشبه اليوم بالأمس .
لم نزل في رحلة البحث عن الدولة التي لم تنبثق عن وثيقة الوفاق الوطني (رغم نواقصها وشوائبها)، واليوم نُعايش تاريخ حرب من نوع آخر، حربٌ يبدو أنها مفتوحة الجوانب وإقليمية النطاق مقرونة بنتائج لن يُكشف النقاب عنها إلّا بعد أشهر أو أكثر والعوامل كثيرة والأسباب عديدة:
1. تبدو إدارة الرئيس دونالد ترامب المنتخب بقوة شرعية شعبية واسعة في وضعية المراقب ولو لفترة لن تتخطى يوم استلام الرئيس لمهامه رسمياً. وبالتالي، فإنّ الخطط والاستراتيجيات التي ستُعتمد في الشرق الأوسط وتجاه الحرب في لبنان بشكل خاص، لن تُستشرفَ معالمها إلاّ بعد أسابيع أو أشهر مما يجعل أي حلّ مُرتقب غير واضح قبل العهد الأميركي الجديد.
2. عدم حسم الحرب لناحية تحقيق مكاسب نهائية وحاسمة حتى تاريخه لأي فريق فيها، مما يجعل القدرة على التفاوض، كما إرادة التفاوض معدومةً، على الأقلّ في المرحلة الحاضرة وحتى إشعار آخر. أي وبمعنى آخر، ستستمر الحرب بكل أطرها وربما ستأخذ أطراً أكثر حدّة وتدميراً وخطورة، إذ إنها أصبحت دون سقف زمني أو حتى قانوني، بفعل ما عاناه القانون الدولي من خروقات وجرائم دولية لا تعد ولا تحصى دون أي قدرة "قانونية" أو "قضائية" على وضع حدّ، ولو نسبي، لمخاطر كبيرة أدت إلى مقتل الآلاف وتدمير مناطق بكاملها دون أي سؤال أو تساؤل أو تحقيق!
3. أما المستأخر حتى إشعار آخر بانتظار ما ستؤول اليه الحرب وما بعدها، والمفاوضات وما سترسو عليه من قرارات ومواقف، فهو الاستحقاق الرئاسي ومعه مشروع استنهاض المؤسسات الدستورية والإدارية.
4. والمشكلة تتخطى العقد الداخليّة المستحكمة بالنظام السياسي إلى "رئيس -مهمة" مدعوم دولياً يحمل مشروعاً متكاملاً يطبقه مع حكومة تخرج من إطار "التوافقية" التي لم تعط أي نتاج إيجابي، إلى رحاب الاختصاص الهادف إلى إجراء عملية إنقاذية شاملة في الوزارات والمؤسسات والقوانين المقترحة والنظم الواجب اعتمادها.
5. وهذا يبقى دون جدوى إن لم يقترن، طبعاً بعد انتهاء الحرب، بعملية سياسية تعيد الجميع إلى دائرة الدولة اللبنانية كمرجعية وحيدة، ضمن سياق العودة إلى الميثاق الوطني المحدّد بتحييد لبنان عن الصراعات وإعادة التواصل الإيجابي بين المكونات، بشكل لا يؤسس لحروب ونزاعات كلما لاحت رياح عاتية من شرق أو غرب.
في خضمّ الحرب وما حولها ومن حولها يبقى خيار الشرعية العربية والدولية هو الأجدى وعدم الخروج عن الميثاق الوطني هو الأسلم.