جاد حداد

Snowden... نظرة متحفظة عن أشهر مُخبِر في العالم

9 أيلول 2020

02 : 00

يدخل فيلم Snowden للمخرج أوليفر ستون في خانة فرعية ومثيرة للفضول من الأفلام المرتبطة بأحداث تاريخية حديثة، ويعكس صورة هادئة وهشة عن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن، أشهر مُخبِر في العالم. يقدم ستون إضافة قيّمة وممتعة إلى أحداث الزمن المعاصر والمربك. هو يسرد قصة مستوحاة من عناوين صحفية قديمة ويضيف تفاصيل أصبحت منسيّة ويُجَمّل إطار العمل بطريقة غير مباشرة خدمةً لجوانب الدراما والتشويق.

ينجذب "إدوارد" إلى عالم الاستخبارات انطلاقاً من رغبته الصادقة في خدمة بلده، لكنه لن يكون محصّناً ضد إغراءات هذا العمل. هو يحب الغموض والمال (لا سيما بعد أن يصبح متعاقداً خاصاً) ويستمتع بالانتساب إلى مجموعة منتقاة من المطلعين على مسار العمل في هذه الأوساط الشائكة. لكنه لا يشبه أصحاب الطموحات المأسوية من أمثال ريتشارد نيسكون أو جيم موريسون أو الإسكندر الأكبر (وفق تصوّر ستون على الأقل!). يبدو "إدوارد" مهووساً بالتكنولوجيا ظاهرياً وبارداً في ردود أفعاله، فلا يشرب الكحول ولا يطارد الفتيات (تؤدي شايلين وودلي دور حبيبته "ليندسي ميلز").يُعتبر فيلم Snowden جدّياً نسبةً إلى معايير ستون الاعتيادية وتتضح مظاهر التحفظ فيه عبر أسلوب الإخراج والأفكار السياسية المطروحة. تَقِلّ المؤثرات البصرية الجامحة واللافتة ولا تُطرَح تفاصيل كثيرة عن نظرية المؤامرة الشائعة. بل يبدو "إدوارد" شخصاً منطقياً وصاحب أخلاق عالية ("المسؤولية" من كلماته المفضلة!) ويحرص الفيلم على اتخاذ منحىً منطقي طوال الوقت. بعبارة أخرى، يسهل أن تكون الحجة الأساسية التي يرتكز عليها هذا العمل عن طريقة الحكومة في جمع البيانات جزءاً من أي صحيفة موضوعية، ويبدو الحوار وإيقاع الأحداث مناسبَين للعرض التلفزيوني.





ربما أصبح ستون أكثر تساهلاً في نظرته إلى الأمور أو أثّرت أحداث العالم عليه. من الواضح أن الفكرة الهوسية المرتبطة بتجسس الأجهزة الإلكترونية على الناس أصبحت اليوم واقعاً باهتاً. كذلك، يبدو أن العالم المادي الذي يعجّ بالمعارك الذاتية الدموية والجنسية التي ثار ضدها الأبطال في قصص ستون السابقة استُبدِل اليوم بمجموعة مبهمة من الرموز والخوارزميات. يتنقل "إدوارد" من عالم إلى آخر حين تنتهي مسيرته المهنية كحارس في الجيش الأميركي بسبب إصابة يتعرض لها. فيخبره طبيبه حينها بأنه يستطيع خدمة بلده بطرقٍ كثيرة أخرى. ثم يشرح له رؤساؤه في وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي بعد وقتٍ قصير أن الحرب الحقيقية تستهدف أجهزة الكمبيوتر والشبكات الخلوية.


كتب المخرج السيناريو مع كيران فيتزجيرالد، وهو يشير إلى مراجع أكثر غموضاً ويشرح آليات المراقبة بوضوحٍ يستحق الإشادة: لا يزال ستون داعماً تقليدياً للمبادئ الإنسانية ولم يتحول إلى مفكر عميق في مجال التكنولوجيا أو السياسة. تتمحور معظم أفلامه في نهاية المطاف حول فهم الجانب الإنساني من الشخصيات، لذا يمكن اعتبار فيلم Snowden من أفضل أنواع دراسات الشخصيات. وكما جرت العادة، يبقى اهتمام ستون بالنساء محدوداً، فتعكس المرأة في أعماله صوراً متنوعة وتعقيدات عاطفية تتحدى أبطال القصة أو تعطيهم طابعاً إنسانياً بحسب متطلبات الحبكة. تظهر الممثلة شايلين وودلي على الشاشة أكثر مما ظهرت سيسي سبيسك في J.F.K. أو جوان آلن في Nixon، لكنها تجسّد فعلياً نسخة مستحدثة من الزوجة الوفية والمرتكبة التي تعيش معاناة كبرى. مع ذلك، تُعتبر العلاقة القائمة بين "ليندسي" و"إدوارد" محورية في الفيلم كونها تعكس المسائل التي أصبحت على المحك في حياة بطل القصة الذي يحاول التوفيق بين متطلبات الحب والواجب. تؤكد هذه العلاقة أيضاً على مزايا "إدوارد"، فيبدو رجلاً لطيفاً ومتواضعاً وعادياً وليس متعصباً أو أنانياً بأي شكل. لن يوافق الجميع على هذه المواصفات طبعاً (لم يكن دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون أو باراك أوباما من المعجبين بإدوارد سنودن يوماً)، لكنّ الفيلم يدافع عن توجهاته بأسلوب متقن وحذر وغير هجومي.

أحياناً، قد يتمنى المشاهدون أن تتخذ شخصية "سنودن" في الفيلم بُعداً أكثر جنوناً ورعباً وغضباً. لكنّ هذا المنحى كان ليزعزع أساس العمل بسهولة أو يبدد الاهتمام به. باختصار، لن يُبهِر هذا الفيلم المشاهدين أو يثير غضبهم بالضرورة، ولا يحاول العمل تحقيق هذا الهدف أصلاً. بل إنه يريد إزعاج الجمهور وتأجيج شكوكه بنوايا الجهات التي تجمع بيانات الناس وتزعم أن عملها يهدف في المقام الأول إلى حمايتهم. إنه الهدف الذي أراد سنودن شخصياً تحقيقه كما يقول!


MISS 3