إيفون أنور صعيبي

عجز في المدفوعات...ولا خطط للمواجهات

14 آب 2019

01 : 11

سدّ العجز في ميزان المدفوعات يحتاج الى رساميل من المودعين او المستثمرين
هل تعرفون ما هو الحصان المُطارد؟ انه فخّ أو طعم يُلقى ويُستخدم للاختباء خلفه أثناء صيد الطريدة. واذا كان المقصود هنا بالحصان المطارد "موازنة الـ2019" فان الطريدة تكون قطعاً "أموال سيدر" المنتظرة التي من الواضح انها تشكّل بالنسبة الى لبنان ورقة المراهنة الوحيدة لتخطّي الأزمة في ظلّ غياب أي خطّة ممنهجة ومحكمة.


تكمن الازمة الفعليّة في تجذّر تداعيات النمط الاقتصادي الريعي وبالتالي التحوّلات العميقة التي أنتجها في بنية الإنفاق العام -الخارج عن السيطرة- خصوصاً بعد ترسّخ آليات المحاصصة والهدر والفساد في صفوف أطراف الحكم. والنتيجة: عجز اقتصادي بعدما بلغ النمو 0%، وعجز في ميزان المدفوعات، وعجز في الموازنة...كلها تشكل سلّة من "العجوزات" بات اليوم، اكثر من أي وقت مضى، يصعب تخطيها...من باريس 1 و2و3 وصولاً الى "سيدر" اختلفت العناوين والتواريخ اما الهدف فواحد: مصادر تمويل.. تمويل ماذا؟ كلفة الوقت الضائع، وكلفة تركيبة النموذج اللبناني...اما الحكومات المتعاقبة فتتلهى بالمناكفات وتصرف اموالها على "أمورها الخاصة" فيما الانماء، كل الانماء بشقّيه الاقتصادي والاجتماعي غائب!

اليوم بات للوقت كلفة يصعب تسديدها.السؤال الأوحد الذي يطرح هو ان كان للبنان خطة عملية لمواجهة ما ينتظرنا من استحقاقات وأزمات من جهة وبالمقابل، كيفية القاء الطعم لتأكيد التقاط أموال سيدر.

الاقتصادي روي بدارو يقول إن"العجزين التوأمين ،اي العجز المالي والعجز في ميزان المدفوعات الناجم عن العجز في الميزان التجاري متلاصقَان، من هنا تُعتبر الموازنة بحد ذاتها خطة لمواجهتهما. واذا كان عجز الموازنة ناجم عن حجم الدولة وانفاقها العام، فان عجز ميزان المدفوعات ناتج عن خروج الدولارات بسبب الفائض في الاستهلاك مقارنة بإنتاجية الاقتصاد الوطني. انا اقدّر حجم الاستيراد بـ 24 مليار دولار، ولتغطية هذا العجز نحن بحاجة الى دخول رساميل من الخارج اما من قبل مودعين او من خلال جذب استثمارات خارجية".

ويضيف بدارو "ان الضغط الأكبر على الاقتصاد متمثل بانخفاض الرساميل علماً انها تحسنت نسبياً أواخر تموز الماضي، غير اننا لا نزال نجهل كيف ستكون حتى نهاية العام الجاري".

قبل الحديث عن الازمة لا بد من تحديدها، فهل المقصود بها عجز المالية العامة؟ في هـذه الحــالة فــان الموازنة تشكل التصور لتخطيها.

في هذا الاطار يعتبر بدارو ان" الموازنة وأرقامها، وبغض النظر عما اذا كانت ستصدق ام لا، بُنيت على اساس تقدير المداخيل اكثر مما ستكون في الواقع لاعتبار ان هناك تراجعاً في الناتج القومي بحوالى 2 او 3%، أي خلافاً لما يشاع عن نسب النمو. اما لناحية ميزان المدفوعات، فهناك دفعة تستحق في تشرين الثاني المقبل، وقد أمّن مصرف لبنان مبلغ 1.5 مليار دولار لسد هذا العجز. قامت المصارف باستقطاب الدولارات من خلال الهندسات المالية غير ان المصارف ولدى تحصيلها الفوائد على اليوروبوند التي تملكها تتركها في الخارج أي انها تودع رأسمالها في الخارج وكأن ليس لها ثقة في السوق اللبنانية ام انها تأخذ احتياطاتها المتمثلة بسيولتها بالعملات الأجنبية التي تفضل ان تحتفظ بها خارج لبنان".

اما في ما يتعلق بمدى جهوزية لبنان لمواجهة الازمة فيقول بدارو: "هل إقرار قانون موازنة افضل من عدمه؟ طبعاً ولكن هل هذه الموازنة كافية؟ قطعاً لا، لكنني سأغوص اعمق من ذلك فالموازنة لم يكن يجب ان تتكل على زيادة مواردها بل كان عليها ان تسعى لتخفيض مصاريفها بجدية. أي انه كان من الضروري ان تضع هندسة واضحة الأطر للقطاع العام الذي لم يعد قادراً على استيعاب 350 الف موظف. كان امامنا الوقت الكافي للتفكير ملياً وإيجاد الصيغة الملائمة وكان من الاجدى اتخاذ اجراءات كان قد اقترحها صندوق النقد الدولي أهمها رفع سعر صفيحة البنزين. واذا اردنا مقارنة هذا السعر بين لبنان والأردن لوجدنا ان الفجوة كبيرة علماً ان الدخل الفردي في لبنان اعلى بكثير من الأردن. من الممكن زيادة السعر تدريجياً أي 1000 ليرة كل 6 اشهر على سبيل المثال وفي هذه الحالة لما كنا بحاجة الى فرض ضرائب تؤذي الطبقة الفقيرة وكنا في الوقت عينه وجدنا سبيلاً لزيادة الـ 8000 ليرة التي يتقاضاها كل اجير كبدل تنقل".

بالعودة الى سيدر الذي يشكل خشبة الخلاص الاخيرة، فلا بدّ من التطرق الى شقيه المالي والعملي: ان الشق المالي بأبعاده كافة بات واضحاً للجميع بما يحمله من شكوك ونقاط استفهام حول مدى نزاهة وشفافية المؤسّسات والإدارات العامّة التي ستُكلّف بتنفيذ هذه المشاريع، في ظلّ تغييب دور أجهزة الرقابة والمساءلة والمحاسبة. اما الشقّ المتعلّق بالإجراءات التي تعهّدت الحكومة بتنفيذها أمام المانحين، فهناك 75 إجراء، ثلثها إجراءات مالية، و70% منها اجراءات كانت موجودة ضمن باريس 3 غير انها بقيت حبراً على ورق.

فاذا تمكن لبنان من الصمود امام العجزين التوأمين فهل ينجح بالقاء الطعم للمجتمع الدولي ويلتفّ على شروطه الصارمة؟


MISS 3