في مدرسة رسمية للصبيان تقع في محافظة لبنان الشمالي، أيقظت بتول زوجها حسين بفرح لم يعهده في خلال أشهر التهجير المتعدد الوجهات."إنها الرابعة يا حبيبي. الحمد للّه رب العالمين انتصرنا" قالت. وفيما هو يفتح عينيه نصف فتحة لاستيعاب اللحظة التاريخية، نقرت طبلتي أذنيه زلغوطةٌ حادة، اختلطت بصوت رخيم يغني "قايمة ضب تيابي/ ورايحة عند حبابي /مسافرة ع جناح الطير / تذكروني بغيابي...". الغناء محرّم. خرقت حماة حسين المحرّمات. سامحها شرط ألّا تردد مرة ثانية كلمات المرحوم شفيق المغربي وإلّا... متى هدد حسين نفّذ.
إنها الرابعة بتوقيت الضاحية الجنوبية وكل لبنان.
الرصاص يلعلع. أهو رصاص ابتهاج بإعلان الإتفاق على وقف إطلاق النار أو هو رصاص تحذيري لمنع المواطنين من الدخول إلى أحياء "بلا حياة" وإلى منازل متداعية أو واقفة على "صوص ونقطة" وإلى أسرّة هجرها الدفء؟ لغة الرصاص لغة تعبيرية يفهمها جميع المواطنين في كل الظروف.لغة مباشرة تغني عن مكبرات الصوت وعن الأهازيج وعن الصراخ وعن حلقات الدبكة لكنها لا تغني عن إعلاء الهتاف بدعاء طيّب "الموت لأمريكا".
إنها الرابعة تماماً.
بعد ليل الترقب، انطلقت أرتال السيارات والفانات من المناطق الآمنة، إلى صيدا وصور وبعلبك والنبطية والضاحية وغيرها من المناطق المنكوبة؛ مركبات محملة بالفرش على سطحها ومكدسة مقاعدها بالأحبة وضحكات الأولاد. بعد أشهر من الكبت السياسي، وفي لحظة سعادة مُستعادة، أخرج السوّاقون والركاب من نوافذ مركباتهم أعلام "الحركة" و"الحزب". في التوقيت عينه، أي في الرابعة من فجر الأربعاء27 تشرين الثاني، أجرت الموستيكات مناورات وتدريبات في الضاحية تمهيداً لمسيرات الصباح تحت عدسات التلفزيونات.
في لحظة عاد اللبنانيون إلى الساعة السابعة والنصف من صباح 14 آب 2006، عادوا على الأرجح "أجحش" مما كانوا عليه قبل ثمانية عشر عاماً إذ صدقوا صيفئذٍ أن انتصاراً إلهياً ونهائياً على العدو بات في حكم المؤكد. هذا من الجهة الممانعة، وصدّقوا من جهة ثانية أن الـ 1701 سيعيد ما للدولة للدولة وما للطائف للطائف.
الساعة تقارب الرابعة فجراً يا حبيبي
ألم تنم بعد؟ سألت الزوجة شريك العمر.
• "لا لم أنم بعد. أود التأكد أن الأعمال الحربية توقفت. قبل 6 دقائق فقط كانت الطائرات العدوة تقصف عيتا الشعب وترمي صواريخها على معابر في الشمال. يا لسوء طالع من قضى يا زوجتي قبل سريان وقف إطلاق النار بست دقائق. إنها الرابعة تماماً. الآن أستطيع أن أنام "ملء جفوني عن شواردها". "أيقظيني بعد 60 يوماً " أجاب الزوج وغط في نوم عميق قبل صياح ديكه "مرصبان".