وفق تحاليل أجريت في لبنان، يُرجّح بلوغ نسبة انعدام الأمن الغذائي 23 في المئة من مجمل السكّان اللبنانيين، الذين يرزحون تحت وطأة أزمات اقتصادية وأمنية حادة، ناهيك عن خسارة جزء كبير منهم لموارد رزقهم والاتكال على ما توفر من احتياجات غذائية وصحية. فما التداعيات الصحية لسوء التغذية وما النصائح الواجب اتّباعها؟
خفضت الأزمة الاقتصادية والحرب ودولرة المعاشات وارتفاع الأسعار عالمياً ومحلياً، القدرة الشرائية عند اللبنانيين، فتبيّن أن هناك شخصاً من أصل 4، يعاني من انعدام الأمن الغذائي، أي لا يستطيع توفير الطعام الصحي الذي يحتاج إليه بكميات مناسبة.
وحصول الجسم على أقلّ من احتياجاته الغذائية، كالفيتامينات والمعادن والبروتينيات والنشويات والدهون، يؤثّر وفق د. جنى جبور سالم، الأستاذة المساعدة في قسم الغذاء والعلوم الغذائية في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، في وظائف الجسم ونموّه السليم، خصوصاً عند الأطفال والرضّع، فنلحظ تراجعاً في مستوى الطول والوزن ومحيط الرأس. وتضيف: "نخشى تأثر النمو العقلي والجسدي عند الأطفال، وانعكاس ذلك على تطوّر القدرة الحركية لديهم خصوصاً لمن هم دون الخمس السنوات، حيث نلحظ تأخراً في المشي مثلاً. فضلاً عن تأثر نفسي أيضاً، لأن عدم توافر الاحتياجات الغذائية يزيد نسبة التوتّر والقلق والخوف والهلع والاكتئاب. إلى ذلك نلحظ ضعفاً في الجهاز المناعي لدى الأطفال والبالغين على حدّ سواء، وتراجعاً في الأداء الوظيفي للبالغين في المجتمع، الذين يتعرّضون لمشكلات في القلب ولمرض السكّري والسرطان على المدى الطويل لأنهم لا يحظون بنظام غذائي متناسب. كما يؤثر سوء التغذية على خصوبة الرجال، وعلى الحمل السليم لدى النساء".
وعن الأخطاء الغذائية التي ممكن أن يرتكبها الأشخاص في الأزمات، تقول د. سالم إنّ "وجودهم في أماكن لا توفّر نظاماً غذائياً صحياً، يعزز استهلاكهم للطعام المشبّع بالسعرات الحرارية السريعة أو الأطعمة سهلة التحضير، والمدعّمة بالسكريات والدهون المشبّعة. فإذا لم نرشد هؤلاء إلى التغذية السليمة، قد يعرّضون أنفسهم لأمراض مزمنة. يتأثّر نظامنا الغذائي عادةً بمشاعرنا، فإما نزيد من نسبة الطعام أو نخففها، وفي الحالتين نتعرّض لسوء التغذية".
وتعتبر أنه من الطبيعي أن يشعر النازحون أو اللاجئون، بصعوبة اتّباع نظام غذائي متوازن لأن وضعهم النفسي واللوجستي صعب. لذا من المهم التركيز على النقاط الأساسية في النظام الغذائي المتناسق، واعطائهم نصائح عملية لتحضير وجبات غذائية متوازنة ومتناسبة مع وضعهم الحالي. وتدعو إلى تأمين طعام ذي قيمة غذائية عالية وفق الإمكانات، أي أن تتضمّن الحصة الغذائية دهوناً صحية وفيتامينات وأطعمة غنية بالبروتين وقليلة السكريّات، مثل التونا والسردين والحبوب على أنواعها كالفاصولياء والفول والحمّص والبرغل والأرز، مشيرةً إلى أهمية التركيز على نظام غذائي طبيعي متكامل بدلاً من تناول المكمّلات الغذائية، إلاّ في حال كان الشخص يعاني من سوء تغذية تستوجب ذلك، وتكون هذه المكمّلات مناسبة وفق السنّ والحال الصحية لكل فرد.
وتتحدث د. سالم عن دراسات عدّة نفّذتها "الجامعة اللبنانية الأميركية" أظهرت أن الإعانات التي كان قد تم توزيعها على مراكز الإيواء ترتكز على كمية عالية من السكريات والدهون المشبّعة ومنخفضة على صعيد البروتينيات. وتشدد على ضرورة التنسيق ما بين الجمعيات والوزارات وتفعيل التواصل في ما بينها من أجل تخفيف نسبة الهدر في الطعام حيث أثبتت دراسات أخرى نُفّذت في عزّ الأزمة الاقتصادية في لبنان، أنه يتم هدر ثلث طعامنا وهذا رقم مرتفع جداً. لذلك من المهم حصول توعية على صعيد كيفية مشاركة الطعام الفائض مع جمعيات أو أشخاص في حاجة.
دور وزارة الصحة دورها مهمّ جداً على صعيد التوعية، عبر تنظيم حملات عبر التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي حول التغذية السليمة، إضافة إلى التواصل مع الجمعيات المعنية بتزويد النازحين أو اللاجئين بالوجبات الغذائية والإعانات، للتأكد من أن الحصّة متناسبة مع الحاجات الغذائية الأساسية. |