بين الصَّهيونيَّة، وولاية الفقيه، والقاعِدَة، وداعِش، علاقَةُ حُبّ مَرَضِيَّة تبلُغُ حدَّ التشوُّهِ السَّاديّ. هذه المنصَّات المؤدلجة دينيّاً، والمؤطَّرَة عسكريّاً لاقَتهَا ديكتاتوريَّاتٌ من كُلِّ حَدبٍ وصَوب، فكان الانقِلابُ الكيانيّ على الهويَّات الوطنيَّة وعلى الدُوَل المفترض أن يَحكُمَها القانون. الحِلفُ الموضوعيّ الذي جمع التطرُّف مع التوتاليتاريَّة ضرب مقوِّمات الحريَّة، والعدالة، والدِّيمقراطيَّة، والمواطنة المحتضنة للتنوُّع، والحَوكمة الرَّشيدة، والسِّياسات العامَّة المستدامَة. في المُحصِّلة انقضَّ هذا الحِلفُ الآثِمُ على كرامَة الإنسان، وعلى سيادة الدَّساتير، وعلى السَّلام الإقليمي والدَّولي.
الإشكاليَّة الخطيرة في هذا الانقِضاض، التصاقه بضماناتٍ حمتها دُول ديمقراطيَّة الطَّابع افتِراضاً، وتُحاكي في نهجها الالتزام بسيادة القانون. من هُنا برزت مساراتُ تطبيعٍ مع التطرُّف بكُلِّ أشكاله، والديكتاتوريَّات على تنوُّع تمظهُراتها في أرضِ الدِّيانات التوحيديَّة والإحيائيَّة على حدّ سواء.
مَقتَلَةُ الغرب برزت باعتِبارِهِ أنَّ تسييس الأديان قادِرٌ على تقديم نموذجٍ في توازُن الرُّعب القائِم على تكريس إطلاقيَّةِ كُلّ منها في امتِلاك الحقيقة، على أنَّ توازُن الرُّعب هذا مرحليٌّ، وتفكيك ألغامِه يتِمّ بقُوَّة ناعِمة يُفرِزُها ما اصطُلِح على تسميته بالقوى المجتمعيَّة الحيَّة. توازُن الرُّعب المرحليّ أنتَج صِراعاتٍ دمويَّة، ولم يَزَل، وافتتح مساراتِ الجريمة المنظَّمة بما قضى على فُرَصِ التَّنمية.
حلفُ المُتطرِّفين والديكتاتوريَّات سوَّق باحتِراف لمفاهيم الشرعيَّة، والدّيمقراطيَّة الشَّعبيَّة، والتَّموضُع في مُربَّع السُّلطة الإلهيَّة، حتَّى أنَّ احتِرافَهُ بَلَغ حدّ عدم السَّماح للعُقَلاء بِفَهم طبيعته، فانساقُوا لاعتِبار أنَّ الصِّراع ما بين أركانِه حضاريّ.
استقال الاستبلشمنت السِّياسيّ، والقانونيّ، والاقتِصاديّ، والدبلوماسيّ، والعسكريّ والثَّقافيّ، والدّينيّ على مدى عُقُودٍ أربعة من مسؤوليَّة إماطة اللِّثام عن هذا التَّلاقي اللَّئيم على اغتيال مقدِّرات الدُّول وشعوبِها، راهِناً ذاتَه لإبداعِ شعاراتٍ إيديولوجيَّة إسكاتولوجيَّة تمجِّدُ زعاماتٍ وأُطراً باسم صَونِ هويَّاتٍ مُتَنَاحِرَة. هُنا تمَّ استِلابُ القِيَم المؤسِّسَة لهذه الهُويَّات، وتدجينُ جيناتِها لأجنداتٍ عابِرَةٍ للحُدود، تتطلَّعُ إلى تحقيق فوائِض قُوَّة باسم إعادَة اعتبارٍ لمظلوميَّة تاريخيَّة.
تورُّط الاستبلشمنت المركَّب هذا، قابَلَهُ انتهازيّون يبحثون عن موقعٍ لهُم في لُعبَة النُّفوذ، ما جَعَلَهُم يذهبون بعيداً في تشييد عماراتٍ ديماغوجيَّة، وبُنى شعبويَّة تقتاتُ من الحِقدِ على العقلانيَّة، وتتغذَّى بدَعمٍ شعبيّ قاصِر يستنِدُ إلى التَّكتيك الزئبقيّ، ما جَعَلَ من هذا المزيج رافِداً لفسادٍ مُقَونَن استعَاض عن إدارة الموارِد بنَهبِها.
كُلُّ ما سَبَق، وبعد عُقُودٍ أربعة، يبدو أنَّهُ أَقرَبُ إلى نهاياتٍ كارثيَّة، يقتضي لِتفاديها العَودَة إلى مداميك الدَّولة الوطنيَّة الدُّستوريَّة الّتي تحترِم التنوُّع، وتؤسِّس لتوازُنٍ بين القطاع العامّ، والقِطاع الخاصّ، والمجتمع المدنيّ. هذا التَّوازُن يُمَهِّدُ لانتِظامٍ دَولَتيّ، ويُلغي مفاعيل أمرِ اليَوم الشَّيطانيّ الذي جَمَع الأضداد على التِهامِ جُثَثِ الأحرار. لبنان كان ضحيَّة ورهينة أَمر اليَوم هذا. إنَّهُ زَمَنُ إنهائِه، واسترداد الأَمر للشرعيَّة والدَّولة.
*المدير التنفيذي لـ "ملتقى التأثير المدني"