جاد حداد

طريقة جديدة للكشف عن السرطان

11 أيلول 2020

02 : 00

من الأفضل أن يُكشَف مرض السرطان من أي نوعٍ كان في أبكر مرحلة ممكنة لتحسين فرص معالجته قبل أن ينمو وينتشر.

لكن لسوء الحظ، تَقِلّ الأدوات الموثوق بها لفحص معظم أنواع السرطان. تبرز اليوم أمثلة عدة على الاختبارات الفعالة، منها تنظير القولون الذي يبحث عن أورام حميدة أو سرطان القولون والمستقيم في مراحله الأولى. كذلك، ترصد تقنيات أخرى مثل تصوير الثدي بالأشعة أول مؤشرات سرطان الثدي، وتكشف فحوصات الصدر المقطعية عن سرطان الرئة الموضعي لدى المدخنين السابقين أو الحاليين.

البحث عن الحمض النووي

قد تكون الفحوصات المستعملة للكشف عن السرطان غازية (لا سيما تنظير القولون) أو مزعجة أحياناً. يتابع العلماء استكشاف طرقٍ جديدة لرصد السرطان في أبكر مرحلة ممكنة وبتقنية سريعة ومناسبة وسهلة الاستعمال. تستخدم الأدوات الجديدة الواعدة فحص الدم.

يوضح الدكتور براين وولبين، مدير مركز سرطان الجهاز الهضمي في معهد "دانا فاربر" التابع لجامعة "هارفرد": "عند اللجوء إلى فحص الدم، لا يُستعمل أي نوع من الأشعة أو التخدير ولا يشعر المريض بالقدر نفسه من الانزعاج. تحصل عمليات سحب الدم أحياناً في عيادة الطبيب لأسباب صحية متعددة.

لكن كيف تعمل فحوصات الدم المستعملة للكشف عن السرطان؟ العملية بسيطة!

تطلق الأورام السرطانية حمضها النووي في الدم بعد موت جزء من خلاياها. ومن خلال تحليل عينات الدم، يستطيع العلماء أن يبحثوا عن تغيرات محددة في الحمض النووي، كتلك المرتبطة بأمراض سرطانية معيّنة.

بحسب نوع السرطان الذي تشير إليه عيّنة الدم، يستطيع الطبيب أن يطلب الفحوصات التشخيصية المناسبة، مثل التصوير المقطعي المحوسب أو التصوير بالرنين المغناطيسي أو التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، لتحديد موقع السرطان داخل الجسم.

يُعتبر فحص الدم، كأداة للكشف عن السرطان، مجالاً بحثياً متسارعاً وتبدو الدراسات الأولية واعدة، أبرزها دراسة بقيادة باحثين من معهد "دانا فاربر" ومركز "مايو كلينك". تبيّن أن فحص الدم يستطيع رصد أكثر من 50 نوعاً من السرطان، بما في ذلك عدد من أكثر الأمراض شيوعاً (سرطان القولون والمستقيم، أو المريء، أو المثانة، أو الرأس والعنق، أو الرئة، أو البنكرياس). نُشِرت نتائج هذا البحث في عدد 1 حزيران 2020 من مجلة "حوليات علم الأورام".

حلل الباحثون في الدراسة مؤشرات الحمض النووي في عينات دم مأخوذة من 2500 مصاب بالسرطان وحوالى 4200 شخص غير مصاب بالمرض. في المحصّلة، أكد فحص الدم على وجود السرطان لدى 99% من المصابين بمرض سرطاني معروف.

في المقابل، كانت نتيجة الفحص إيجابية لدى أقل من 1% من غير المصابين بالسرطان (إنه معدل منخفض جداً من النتائج الإيجابية الخاطئة). يقول وولبين: "من خلال تقليص عدد النتائج الإيجابية الخاطئة، سيتجنب الناس الخضوع لتقييمات غير ضرورية إذا كانوا غير مصابين بالسرطان".

تتوقف دقة الفحص على المرحلة التي وصل إليها السرطان. لهذا السبب، راجع الباحثون 12 نوعاً من أمراض السرطان التي تُسبب حوالى ثلثَي الوفيات المرتبطة بالحالات السرطانية. كشف الفحص عن حمض السرطان النووي لدى 39% من المصابين بالسرطان في مرحلته الأولى (أبكر مرحلة والأصعب من حيث التشخيص). وفي مراحل متقدمة، زادت دقة النتائج: 69% في المرحلة الثانية من المرض، و83% في المرحلة الثالثة، و92% في المرحلة الرابعة والأخيرة. قيّمت أبحاث أخرى ذلك الحمض النووي في عينات الدم وتوصلت إلى نتائج واعدة بالقدر نفسه.

كذلك، حللــــت دراسة من العام 2018 فحـــص دم اســـتُعمل للبحث عــــن حمض السرطان النووي ومؤشرات بروتينية أخرى لدى ألف مصاب بالسرطان. نُشرت نتائجها في مجلة "العلوم". ركّز الباحثون على ثمانية أنواع من السرطان: الثدي، القولون والمستقيم، المريء، الكبد، الرئة، المبيض، البنكرياس، المعدة.

في النهاية، رصد الفحص 70% من حالات السرطان وحدّد نوعها بدقة عالية. في ما يخص مراحل المرض، كشف الفحص 43% من أمراض السرطان في مراحلها الأولى، و73% في المرحلة الثانية، و78% في المرحلة الثالثة.

يجري العمل راهناً على أبحاث إضافية لتحسين الفحوصات المُطوّرة وتقليص النتائج الإيجابية الخاطئة ورصد حالات إضافية من السرطان في مراحله الأولى. لكن قد تبقى المقاربة المعتمدة للكشف عن السرطان محدودة على بعض المستويات. قد لا يكون فحص الدم فعالاً إلا مع أنواع محددة من السرطان، إذ لا تطلق جميع الأمراض السرطانية حمضها النووي في الدم ليتم رصده. مع ذلك، قد يصبح فحص الدم المستعمل للكشف عن السرطان جزءاً من الفحوصات الصحية الروتينية (مثل فحص الكولسترول أو سكر الدم) خلال فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات.


MISS 3