لن يكون ضرباً من العبث إن وُصِفَ اليوم الثالث من عملية "ردع العدوان" التي باشرتها الفصائل السورية المسلّحة ضد نظام الأسد بالصّادم! فخرائط السيطرة تتبدّل بين دقيقة وأخرى في الشمال السوريّ. وسيناريو تفجير "بيجر" "حزب الله" يتكرّر بانفجار اللاسلكي العائد للجيش، وسط تساؤلات حول ضعف المواجهة في المعارك والانهيارات السريعة من جانب قوات النظام وحليفيه الروسي والإيراني، أمام مقاتلي الفصائل، الذين استخدموا الطائرات المُسيّرة. تهالك بات علنيّاً، ورئيس النظام بشار الأسد يبدو غارقاً في "متلازمة الضفدع".
نظام الضرورة مُحاصر
استهلك الأسد كلّ طاقته في محاولة التكيّف مع درجة حرارة "جبهة إسناد غزة" التي كانت ترتفع تدريجيّاً من تحت كرسيّ رئاسته. تآلف كالضفدع مع الخطر حتى أدركه. فلا هو يقوَى على القفز خارج الماء المغليّ ولا يبدو هنالك من معين يغيثه بوصفه "نظام الضرورة".
غاية الأمر في هذا المقام القول إنه، وقبل الدخول في تفاصيل ما يحدث على أرض المعركة، ما إن التجأ لبنان للحلّ الدبلوماسي، وتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، بدأ كابوس دمشق، وبات الأسد محاصراً بثلاثية إسرائيلية - إيرانية - روسية قاتلة تستهدفه شخصيّاً وتهدّد استقرار قصره. والكلمة المُفتاح: "الحدود السورية - اللبنانية".
الميدان والمحاور القاتلة
وبتفسير ما يحدث في الميدان، من المهم التوقف عند المثلث الذي يُحاصر "الضفدع" بحرارة متفاوتة.
الإسرائيلي، يقف كمهدِّد جاد للنظام السوري، ليس فقط بما صدر عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير، إذ لم يعُد يرى الأسد رئيساً مفيداً لمصالح إسرائيل. وبعدما نجح بقطع الإمداد العسكري الحدودي لـ "حزب الله" واغتال قادة "الوحدة 4400"، يشترط على الأسد إغلاق الحدود "بالحُسنى" أو المستقبل القاتم.
أمّا اللاعب الإيراني، فهو حليف يدفعه إلى الهاوية. وعلى الرغم من الاهتمام الذي أبداه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال اتصال هاتفي مع وزير خارجية النظام السوري بسام الصباغ وتأكيده "استمرار دعم إيران للحكومة والشعب والجيش السوري"، إلّا أن "الحرس الثوري" مهتم بإعادة إحياء خط الإمداد العسكري، بحيث يعلم أن عرقلة الحدود ستعجّل في هزيمة "حزب الله" وتهدّد أمنه القومي، فيشترط على الأسد فتح الحدود أو الاقتصاص منه.
وفي هذا الإطار، يبدو الأسد غير مطمئن تماماً، فاغتيال إسرائيل الأمين العام لـ "حزب الله"، والحوثيين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، يُقال إنها "بقبّة باط" إيرانية.
الروسي في المقابل، يلعب دور المُراقِب و"بيضة القبان"، كما هو وسيط محتمل غير مستعدّ للتدخل المباشر، مع الأخذ في الاعتبار أن تصفية إسرائيل للأسد تحتاج إلى موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في المحصّلة، يبدو الروسي الأكثر تحكّماً برقبة الأسد، والتوازنات التي تفرضها المصالح الروسية هي الأهمّ. وفيما أعلن الكرملين أمس أنه "يُريد" أن تستعيد الحكومة السورية النظام في منطقة حلب في أقرب وقت مُمكن، يُظهر الميدان أن روسيا ليست "جادّة في إرادتها". والسؤال الأبرز، هل ستدعم موسكو مصلحة طهران أم تل أبيب ومن خلفها إدارة ترامب المقبلة؟ الأسد إذاً بين فكّيْ الحليف قبل العدو... أمّا الجانب التركي "فمتخفّ ومختفٍ" ويتردّد أن ضغط الفصائل على تركيا هو ما سمح ببدء العملية!
الخاصرة الضعيفة
لا تزال معادلة "البقاء للأقوى" تطبع معضلة نظام الأسد، بحيث بات الحيّز السوريّ العام مجالاً لكُبرى تصفيات المحاور، ولا شك أن خاصرة النظام السوري الضعيفة ليست إلّا "إدلب".
تدل المعطيات الميدانية على أن معارك الشمال السوري أدّت إلى سقوط خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام والميليشيات الإيرانية خلال وقت قصير. ناهيك عن اغتنام عشرات الدبابات والعربات العسكرية ومقتل العشرات من القوات الحكومية وأسرهم.
وصرّح مدير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبدالرحمن في حديث هاتفي لـ"نداء الوطن" بأن الفصائل سيطرت خلال ساعات على خمسة أحياء في مدينة حلب على الأقلّ ووصلت إلى ثمانية كيلومترات في عمقها، موضحاً أن "هذه المسافة عادةً ما تحتاج إلى أشهر للسيطرة عليها عسكريّاً، بحيث بات واضحاً للجميع أن "حزب الله" هو الذي كان يحمي هذه الجبهات، وبعد انسحاب قواته في اتجاه لبنان، يبدو أن النظام لا يحمل الإمكانات للسيطرة على هذه المناطق. فعناصر قوات النظام ليسوا عقائديين أو لا يؤمنون بعقيدة صلبة ويتركون مراكزهم بسهولة وأحياناً ينسحبون منها".
الأبرز في المعطيات، بحسب عبدالرحمن، هو "اكتساب الفصائل مهارات قتالية عالية جديدة تلقوها في إحدى دول أوروبا الشرقية". كما لفت إلى أن "المهمّ عسكريّاً، هو سيطرة الفصائل على مدينة سراقب الاستراتيجية في ريف محافظة إدلب الشرقي، كونها نقطة تقاطع الطريقين الدوليين "أم 5" الذي يربط بين دمشق وحلب، و"أم 4" الذي يربط بين حلب واللاذقية، واللذين يُحاول النظام وروسيا فتحهما. فالسيطرة على هذه المسالك الأساسية تعني التحكّم بخمس مدن رئيسة، وهي: حلب، حماة، حمص، دمشق، ودرعا، وبالتالي ربط الشمال السوري بجنوبه".
ووفق بيانات "إدارة العمليات العسكرية" التابعة للفصائل، فقد تمكّن مقاتلوها خلال هذه العمليات من الاستيلاء على دبابات وعربات مدرّعة ومدافع "هاون"، وبلغ عدد قتلى قوات النظام على جبهتَي حلب وإدلب خلال الساعات الـ48 الأولى من المعارك، أكثر من 200 عنصر، إضافة إلى مئات الجرحى.
بالتساوق مع ما تقدّم، لا يهمّ التركيز على الميدان بقدر التركيز على غليان الماء تحت عرش الضفدع.